في ظل واقع خانق لحرية الرأي والتعبير، ووسط تصاعد غير مسبوق لعمليات الاعتقال والتعذيب في مصر، خرجت أنباء صادمة عن مقتل الشابين أحمد الشريف ومحسن مصطفى، من منطقة المعصرة، داخل مقار الأمن الوطني، نتيجة تعرضهما لتعذيب وحشي.

المعلومات، التي تداولها ناشطون وصحفيون على منصات التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن وفاتهما لم تكن حادثًا عرضيًا أو نتيجة إهمال طبي، بل عملية قتل ممنهجة شارك فيها ضباط بأسمائهم ورتبهم، في استمرار لنمط مروّع من الانتهاكات التي تستهدف أي مواطن يقع في قبضة الأجهزة الأمنية، خاصة في القضايا ذات الطابع السياسي.
 

الطريق إلى العباسية… بداية النهاية
بحسب ما نقله البلوجر أنس حبيب، فإن الضابط الرائد أحمد مغاوري قام بنفسه بتسليم الشابين إلى جهة أخرى، هي على الأرجح مقر أمني أو مستشفى تابع للأمن الوطني في منطقة العباسية، وشارك بنفسه في تعذيبهما.

المعلومات المتاحة تشير إلى أن الضابط الآخر النقيب لؤي، من زايد، تولى عمليات التعذيب المباشر التي أدت إلى وفاتهما. أحد الشابين فارق الحياة داخل مقر العباسية نتيجة التعذيب، بينما نُقل الآخر إلى المستشفى في حالة حرجة وفارق الحياة هناك.

هذه التفاصيل، إن صحت، لا تدع مجالًا للشك أن الوفاة لم تكن نتيجة «هبوط حاد في الدورة الدموية» كما تدعي البيانات الأمنية المعتادة، بل بسبب التعذيب المتعمد.
 

التعذيب كسياسة دولة
ما تعرض له أحمد ومحسن ليس حادثًا معزولًا. منذ سنوات، وثّقت منظمات حقوق الإنسان، المحلية والدولية، عشرات الحالات التي قتل فيها مواطنون داخل مقار الاحتجاز في مصر، نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد.

التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية تصف بوضوح أن التعذيب في مصر يُمارَس بشكل منهجي داخل مقرات الأمن الوطني، وأنه يشمل الضرب المبرح، الصعق بالكهرباء، التعليق لفترات طويلة، الحرمان من النوم، والتهديد بالاعتداء الجنسي، في خرق صارخ لكل المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، وعلى رأسها اتفاقية مناهضة التعذيب.

وفي الغالب، لا يُحاسب الضباط المتورطون، بل تستمر خدمتهم ويترقّون، ما يعكس غطاءً سياسيًا وأمنيًا يجعل الجناة بمنأى عن المساءلة.
 

قمع الحريات… من توصيل رسالة إلى السجن فالموت
اللافت أن أحمد الشريف ومحسن مصطفى لم يكونا من الشخصيات العامة أو القيادات السياسية المعروفة، ما يعني أن دائرة الاستهداف لم تعد تقتصر على النشطاء البارزين، بل امتدت إلى المواطنين العاديين، خصوصًا الشباب في المناطق الشعبية، لمجرد أنهما أرادا نقل رسالة بالتضامن مع أخوتهم في غزة.
 

الإخفاء القسري… مرحلة ما قبل التعذيب
من أكثر السمات ثباتًا في مثل هذه القضايا أن المعتقل يُختفي لعدة أيام أو أسابيع قبل أن يظهر جثة أو أمام النيابة وعليه آثار تعذيب. في حالة أحمد ومحسن، تشير الشهادات إلى أنهما اقتيدا إلى مقرات الأمن الوطني فور اعتقالهما، دون إبلاغ ذويهما أو السماح لهما بالاتصال بمحامٍ، وهو ما ينسجم مع نمط «الإخفاء القسري» الذي أصبح أداة أساسية في يد النظام لفرض السيطرة وبث الرعب في المجتمع.
 

الرسالة التي تريد السلطة إيصالها
حين يُقتل مواطنان تحت التعذيب، ويُعلن عن أسماء الضباط المتورطين علنًا، ولا يحدث أي تحرك للتحقيق أو المحاسبة، فإن الرسالة الموجهة للمجتمع واضحة: الأجهزة الأمنية فوق المساءلة، وأي شخص يمكن أن يكون الضحية القادمة. هذه الرسالة، وإن كانت تهدف إلى ردع أي محاولة للاعتراض أو المعارضة، فإنها في الواقع تغذي مشاعر الغضب واليأس، وتزيد من عزلة النظام داخليًا وخارجيًا.
 

ردود الفعل

حتى الآن، لم تُصدر وزارة الداخلية أو النيابة العامة أي بيان رسمي يوضح ملابسات وفاة الشابين. لكن الغضب انتشر سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدرت وسوم #أحمد_الشريف و #محسن_مصطفى و #المعصرة في النقاشات بين النشطاء والمعارضين، مع دعوات لفتح تحقيق دولي في جرائم التعذيب في مصر.

منظمات حقوقية خارجية بدأت بالفعل في رصد الواقعة وإضافتها إلى ملفات الانتهاكات المرفوعة أمام الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، في ظل عجز القضاء المحلي عن اتخاذ إجراءات مستقلة ضد الأجهزة الأمنية.
 

سجل أسود للأمن الوطني
حادثة المعصرة تضاف إلى سلسلة طويلة من جرائم التعذيب التي لم يُحاسب مرتكبوها:

  • مقتل شادي حبش في سجن طرة عام 2020 بعد إهمال طبي متعمد.
  • مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016، وهي قضية دولية كشفت جانبًا من أساليب التعذيب في مصر.
  • وفاة عشرات المعتقلين السياسيين في السجون ومقار الاحتجاز، خاصة في السنوات الأخيرة، بسبب الضرب أو الحرمان من العلاج.
     

البعد القانوني… انتهاك صارخ للدستور والمواثيق الدولية
الدستور المصري نفسه، في مادته 55، يحظر التعذيب ويؤكد على كرامة المواطن. كما أن مصر طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، وكلاهما يلزم الدولة بالتحقيق في أي مزاعم تعذيب ومحاسبة الجناة.

لكن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس تمامًا: تستمر الانتهاكات، ويُكافأ مرتكبوها، وتُطوى القضايا في غياب أي شفافية.
 

الخلاصة
مقتل أحمد الشريف ومحسن مصطفى تحت التعذيب في المعصرة ليس مجرد حادث مأساوي، بل هو انعكاس لوضع حقوق الإنسان في مصر اليوم: دولة تحكمها الأجهزة الأمنية بقبضة من حديد، قوانين تُفرغ من مضمونها، قضاء عاجز أو متواطئ، وغياب كامل للمساءلة.

ما لم يتغير هذا النهج، فإن أسماء أحمد ومحسن ستظل تُذكر مع قائمة طويلة من الضحايا، في سجل دموي لن يتوقف عن التمدد، ومعه ستزداد عزلة النظام دا**خل**يًا وخارجيًا، وسيبقى الغضب الشعبي **تح**ت السطح، ينتظر لحظة الانفجار.**