قررت حكومة عبد الفتاح السيسي إعادة طرح الأراضي الفضاء المطلة على نهر النيل في العاصمة وعدد من المدن بمحافظتي الجيزة والقليوبية أمام استثمارات القطاع الخاص، بعد سلسلة من القرارات التي نقلت الإشراف والملكية من جهات حكومية مدنية إلى كيانات عسكرية واقتصادية تابعة للدولة، وفي مقدمتها "الشركة الوطنية لحماية الشواطئ والمسطحات المائية" التابعة للقوات المسلحة، وصندوق مصر السيادي.

وجاء القرار عقب سحب اختصاص وزارة الموارد المائية والري في إدارة الأراضي المحاذية للنيل، لتؤول هذه السلطة إلى الكيان العسكري، في حين انتقلت ملكية الأراضي السياحية والفندقية إلى شركات تابعة لصندوق مصر السيادي، ما يفتح الباب واسعاً أمام الاستثمار التجاري على واحد من أهم الشواطئ النهرية في العالم.

 

اجتماع حكومي لتسريع الطرح
عقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأحد الماضي، اجتماعاً ضم عدداً من كبار المسؤولين، من بينهم وزير الإسكان شريف الشربيني، ومحافظ القاهرة إبراهيم صابر، ورئيس الجهاز المركزي للتعمير محمود نصار، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الحضرية خالد صديق، لبحث "الفرص الاستثمارية" المرتبطة بالأراضي غير المستغلة بكورنيش النيل.

وأكد مدبولي خلال الاجتماع أن الهدف هو "تعظيم العائد من أصول الدولة غير المستغلة وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد"، مشدداً على الإسراع في عملية الحصر والتقييم لطرح هذه الأراضي كمشروعات جاهزة أمام المستثمرين.

 

حصر شامل للأراضي المطلة على النيل
الحصر المبدئي شمل أحياء الساحل، وروض الفرج، وبولاق أبو العلا، وغرب القاهرة، ودار السلام، والمعصرة، وحلوان، والتبين، مع تحديد مساحات الأراضي وجهات ولايتها بدقة. وأشار محافظ القاهرة إلى التنسيق بين جهات الولاية والوحدات المحلية لضمان "الاستغلال الأمثل" لهذه المواقع.

 

خلفية مثيرة للجدل: تجريف وردم وتحويل وجهة النيل
خلال العامين الماضيين، شهدت القاهرة والجيزة عمليات تجريف واسعة النطاق للمساحات الخضراء والحدائق التاريخية، وردم أجزاء من نهر النيل على امتداد الكورنيش، لتحويلها إلى مجمعات تجارية ومطاعم وكافيهات.
هذه التحولات، التي يديرها في كثير من الأحيان مسؤولون عسكريون سابقون، أثارت غضب السكان المحليين، خصوصاً في أحياء راقية مثل الزمالك، حيث أزيلت حدائق تعود للعهد الملكي لصالح مشروعات تجارية وساحات انتظار.

 

أراضٍ عامة تتحول لمشروعات فاخرة
ومن أبرز الأمثلة على هذه السياسات، قرار الحكومة تحويل أراضي "الشركة المصرية لتجارة الأدوية" — البالغة مساحتها نحو 40 ألف متر مربع والمطلة على النيل في منطقة الساحل — إلى أبراج سكنية فاخرة، مع نقل أنشطة الشركة إلى مواقع بديلة في القليوبية والشرقية. وتطل هذه الأراضي على المرحلة الجديدة من مشروع "ممشى أهل مصر"، الذي أصبح رمزاً للجدل حول الخصخصة المفرطة لمساحات النيل.

 

ممشى أهل مصر: سياحة على حساب السكان
أُنشئ الممشى على مساحات جرى ردمها من النيل، وأدى إلى تشريد أصحاب المراكب السياحية البسيطة ومنع الأهالي من دخول مساحات واسعة إلا بدفع رسوم دخول، وهو ما اعتبره منتقدون مخالفة دستورية صريحة، إذ ينص الدستور على حماية النيل وحق المواطنين في التمتع به مجاناً.
المشروع، الذي بدأ في 2019 ويمتد من حلوان جنوباً حتى القناطر شمالاً بطول 40 كيلومتراً، غيّر ملامح الكورنيش ليصبح سلسلة من المجمعات التجارية والمطاعم بدلاً من كونه متنفساً عاماً للمصريين.

 

اتهامات بحرمان المصريين من نهرهم
الانتقادات الموجهة لهذه السياسات لا تقتصر على خسارة المساحات الخضراء، بل تشمل أيضاً حرمان ملايين المصريين من الوصول المجاني إلى شاطئ النيل، وتحويله تدريجياً إلى ملكية شبه خاصة تخدم فئات محدودة قادرة على تحمل تكاليف الخدمات الجديدة.

وبينما تبرر الحكومة هذه الخطوات بضرورة جذب الاستثمار وتعظيم الموارد، يرى معارضون أن ذلك يمثل استمراراً لنهج "بيع الأصول العامة" وإقصاء الفئات الشعبية عن أهم الموارد الطبيعية في البلاد.