أثارت صفقة الغاز الموقعة بين مصر وإسرائيل في 7 أغسطس الجاري، بقيمة 35 مليار دولار، جدلًا واسعًا حول المستفيدين والخاسرين منها. فقد سارعت وسائل إعلام إسرائيلية ودولية إلى تحليل بنود الاتفاقية، مؤكدة أنها تمنح تل أبيب مكاسب اقتصادية ضخمة وتكرّس دورها كلاعب محوري في سوق الطاقة، بينما تضع مصر في موقع التابع للغاز الإسرائيلي وبوابة عبور تخدم مصالح خارجية.
وصف الرئيس التنفيذي لشركة "نيوميد" الإسرائيلية، الشريك في حقل ليفياثان، يوسي أبو، في تصريح لصحيفة غلوبس العبرية (8 أغسطس)، الاتفاق بأنها "منجم أموال للإسرائيليين"، موضحًا أن مصر ستدفع 35 مليار دولار خلال 14 عامًا مقابل الغاز، وأن العوائد ستتدفق بسخاء على خزينة إسرائيل. وأضاف أن "نيوميد" ستخصص جزءًا من أرباحها من الصفقة لوزارة المالية الإسرائيلية، في صورة عوائد ورسوم وضرائب، تصب جميعها في مصلحة الاحتلال.
عوائد تذهب إلى خزائن الاحتلال
وأوضح الرئيس التنفيذي أن الشركة دفعت 205 ملايين شيكل من جميع أنواع العوائد والرسوم والضرائب في الربع الثاني من عام 2025، ووصل إجمالي ما دفعته إلى خزينة الدولة الإسرائيلية منذ بداية عام 2025 إلى 428 مليون شيكل (الدولار = 3.41 شواكل). كما أكد يوسي أبو أهمية صفقة الغاز كأنها مرساة لخلق التطبيع مع الدول العربية خاصة مصر، موضحًا أن إسرائيل تستهدف ذلك التطبيع الاقتصادي مع العالم العربي. أيضًا قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، 7 أغسطس الجاري، إن الصفقة مُربحة بصورة كبيرة لإسرائيل، حيث سينتج منها "تحويل مئات الملايين من الشواكل من عائدات الغاز والضرائب إلى خزائنها". ولفتت إلى أنه "مقابل مضاعفة الصفقة لكمية الغاز الطبيعي السنوية الموردة من حقل ليفياثان البحري إلى مصر إلى ثلاثة أمثالها تقريبًا، فهي سوف تسهم في تعزيز إيرادات الدولة الإسرائيلية من عوائد هذه الصفقة".
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست، 7 أغسطس الحالي، عن المساهم المسيطر في مجموعة ديليك الإسرائيلية، إسحق تشوفا، قوله: "بالنسبة لنا، لا يُعد هذا إنجازًا تجاريًا استثنائيًا فحسب، بل هو أيضًا إنجاز تاريخي يُعزز التعاون الإقليمي"، ومجموعة ديليك هي شركة قابضة إسرائيلية متعددة الجنسيات، وشركة نيوميد تابعة لها. وقد أثير جدل في إسرائيل حول قدرتها على الوفاء بالكميات الضخمة في الصفقة لمصر وتأثيرها على احتياجات الاحتلال من الغاز. وقالت صحيفة هآرتس، 8 أغسطس الحالي، إن الاتفاقية الجديدة تعني أن ينتج حقل ليفياثان الإسرائيلي حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي أكثر من ضعف الإنتاج الأصلي.
وبيّنت أن الاتفاقية ستؤدي بذلك إلى نضوب احتياطيات إسرائيل من الغاز الطبيعي في غضون 20 عامًا تقريبًا، وفقًا تقرير لجنة وزارية إسرائيلية بحثت الأمر. وذكرت أنه منذ بدء الإنتاج في حقل ليفياثان، استقبلت السوق المصرية ما يقارب 23.5 مليار متر مكعب من غاز الحقل. ويورد الحقل حاليًا 4.5 مليارات متر مكعب سنويًا بموجب عقود طويلة الأجل. وبموجب بنود الصفقة الموقعة بين الطرفين، ستُزوَّد مصر بنحو 22% من سعة خزان ليفياثان، ونحو 13% من إجمالي سعة الغاز لدى دولة الاحتلال، وفق "غلوبس".
خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي
بسبب هذه المكاسب الإسرائيلية الضخمة من الصفقة، فقد وصف وزير الطاقة، إيلي كوهين، الصفقة مع مصر بأنها "خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي، سيُدر مليارات الدولارات على خزينة الدولة، ويخلق فرص عمل، ويعزز الاقتصاد". وقال إنها "أكبر صفقة غاز في التاريخ"، واعتبر أنها "خبر مهم أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا"، و"أخبار رائعة للاقتصاد الإسرائيلي، ستجلب مليارات الدولارات إلى خزائن الدولة". وأضاف أن "هذا يرسخ مكانتنا قوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، والتي يعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إلينا"، مشيرًا إلى أن "اقتصاد الغاز الطبيعي، هو أحد الأصول الاستراتيجية لإسرائيل".
وكان كوهين قد لمح في ديسمبر 2024، إلى "الدور السياسي والاقتصادي" للغاز الإسرائيلي، حيث كتب معلقًا على إنشاء خط ثالث لتصدير الغاز لمصر، عبر منصة إكس، بقوله إن "الطاقة الإسرائيلية قوة سياسية". وكتب الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين: "بهذا المبلغ الذي ستدفعه مصر في الصفقة (35 مليار دولار) ستشتري إسرائيل سرب طائرات إف 35 وتصنع 100 دبابة وتشتري مئة ألف صاروخ ومليون رشاش".
رفع السعر مكسب لتل أبيب
وركزت صحف الاحتلال على أن تل أبيب هي الرابح الأكبر من الصفقة من زاويتين: الأولى هي نجاح إسرائيل في رفع سعر الغاز على مصر بنسبة 14.8% في الصفقة الجديدة المعدلة، والثانية، تتمثل في خسائر مصر في هذه الاتفاقية، "إلغاء بند رئيسي كان يمنح مصر الحق في تقليل الكميات المستوردة من إسرائيل إذا انخفض سعر خام برنت عن 50 دولارًا للبرميل". ويعني هذا البند أن مصر ستظل ملزمة بدفع كامل قيمة الصفقة وفقًا للأسعار المحددة حاليًا، حتى إذا تراجعت الأسعار مستقبلًا أو انخفضت حاجة البلاد إلى الغاز، وفق صحيفة جيروزاليم بوست في 7 أغسطس الجاري.
ووفقًا لنص الاتفاقية، يجري الاعتماد على صيغة Take or Pay، وهو بند شائع في عقود الطاقة، يُلزم المستورد بدفع قيمة كميات الغاز المتفق عليها سنويًا، سواء تسلّمها بالفعل أو لم يفعل لانخفاض الحاجة أو الأسعار، وهو ما يضمن دخلًا ثابتًا ومستقرًا لإسرائيل على حساب مصر، بغض النظر عن التغيرات في السوق أو مدى حاجة القاهرة لما ستستورده من غاز. وفي السنوات الماضية، كانت مصر تستورد الغاز من إسرائيل بأسعار تتراوح بين 5.5 إلى 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
وكانت تل أبيب تطالب بزيادة سعر توريد المليون وحدة حرارية لأكثر من ثمانية دولارات، وقتما كان سعر السوق ما بين أربعة وخمسة دولارات، واستغلت حرب غزة وأوقفت التصدير إلى مصر، بحجة الحرب، لممارسة ضغوط لرفع السعر. وكان سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الإسرائيلي إلى مصر يبلغ حوالي 6.70 دولارات، ومع ذلك، طلبت إسرائيل زيادة السعر بنسبة 25%. وفقًا للعقد، من المقرر أن يتم تصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز (الإسرائيلي) إلى مصر حتى عام 2040، بدلًا من حوالي 64 مليار متر مكعب تم الاتفاق عليها عام 2018، وزيادة كمية الاستيراد من 850 مليون قدم مكعبة إلى 1.7 مليار.