في 7 أغسطس 2025، وأثناء زيارة رئيس الوزارء السوداني كمال إدريس إلى القاهرة في أول زيارة رسمية منذ توليه منصبه في مايو الماضي ، عقد اجتماع مشترك بينه وبين رئيس حكومة الانقلاب المصري مصطفى مدبولي، ضمن جولته الخارجية الأولى.
تضمنت الزيارة اجتماعًا مع قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي الذي روج لدعم وحدة السودان وسيادته، ثم أعقب ذلك مؤتمر صحفي مشترك أعلن فيه كلٌّ من مصر والسودان رفضهما “النهج الأحادي الإثيوپي” بخصوص نهر النيل، مؤكدين ضرورة التنسيق وتدارس المشروعات لتفادي أضرار محتملة، مع تأكيد على الالتزام بالقانون الدولي.
في المؤتمر، قال مدبولي: “نرفض بشكل تام الخطوات الأحادية الإثيوبية بنهر النيل ويجب الالتزام بالقانون الدولي، ويجب التنسيق وتدارس المشروعات التي تُنفّذ عليه لتجنب وقوع أضرار على الدول.” هذا التعبير يأتي في سياق كلّ من مصر والسودان يُظهران موقفًا موحدًا ضد الخروج عن المسار التفاوضي، والمطالبة بفرض آليات تعاونية قانونية وتنظيمية لملء السد وتسييره.
سد النهضة والنهج الأحادي
تعكس هذه التصريحات تطورًا جديدًا في خلاف إقليمي طويل الأمد حول سد النهضة الإثيوپي (GERD)، فقد انتهت إثيوبيا في أوائل يوليو 2025 من البناء الرسمي للسد وفق تصريحات رئيس الوزراء الإثيوپي أبي أحمد أمام البرلمان، وعدّ السد "فرصة مشتركة" وليس تهديدًا، مع دعوة مصر والسودان لحضور حفل الافتتاح المرتقب في سبتمبر.
نستنتج مما سبق أن هناك عدة نقاط نقدية هامة:
- نفاق الشكل دون مضمون: رغم خطابات مدبولي المنددة بالخطوات الأحادية، فإن السلطة لم تُظهر فعليًا ضغطًا دوليًا قويًا أو آليات فعالة للحيلولة دون استمرار تسارع إثيوبيا في المشروع، ما يجعل تصريحاتهم سطحية "للحسابات الداخلية".
- غياب المبادرات الواقعية: بدلًا من رفع السقف الدبلوماسي، كان يمكن التحرك باتجاه مجلس الأمن، الأمم المتحدة، أو تكثيف الجهود أمام الاتحاد الإفريقي لفرض آليات قانونية ملزمة، أمر لا نراه في الواقع العملي.
- تكريس الهيمنة وليس الشراكة: رؤيتهم تشير إلى أن النهج الإثيوپي يُفترض أن يُصادر الحقوق دون إعطاء فرصة عادلة أو شراكة، مكرّسين بذلك عقلية الاحتكار الاستعماري بذريعة "الأولويات الوطنية".
- استغلال الأزمة داخليًا: تجاهل البرلمان، أو عدم إحالة الخلاف إلى جهات تشريعية مستقلة، يبرهن على محاولة ضبط السرد الوطني بوسيلة الإعلام السلطوي دون حساب حقيقي لمصالح الشعب.
يبلغ تكلفة المشروع نحو 4–5 مليارات دولار، بدأ العمل عليه عام 2011 ويعد الأكبر إفريقيًا من حيث الطاقة الكهرمائية أوائل 2020 .
وبالرغم من الإعلان الرسمي عن اكتمال السد، لم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم ثلاثي حول تعبئة وتشغيل المنشأة، مما أثار غضبًا من مصر والسودان، اللتين ترغمان في ضمانات لحقوقهما في المياه، خاصة في فترات الجفاف .
طاقة سد النهضة الإنتاجية تزداد على 5,000 ميغاواط وتضاعف إنتاج إثيوبيا إلى الضعف تقريبًا، ومتوقع البدء في توليد الكهرباء منذ فبراير 2022، كما أن المفاوضات الثلاثية لم تُفضِ إلى اتفاق رغم مرور أكثر من عقد على الأزمة.
الأزمة المتجددة حول سد النهضة توضح ثغرة استراتيجية في الدبلوماسية المصرية والسودانية، رفض شفوي دون آليات تطبيقية قانونية، تبقى هذه التصريحات ضمن إطار ردود سياسية سطحية تُركّز على مواجهة "السرد الإثيوپي" دون تقديم بدائل حقيقية أو حلول بنيوية.
هي أزمة لا تخص فقط المياه، بل تمس السيادة الوطنية والمستقبل الاجتماعي والاقتصادي، خصوصًا مع تفاقم أزمة ندرة الموارد، فمواجهة هذا التحدي تتطلب استراتيجية قانونية وتكتيكية جادة، وليس مجرد بيانات رسمية تحاكي الزخم المحلي أو الاستعراض الدبلوماسي.