في تطور جديد يُسلّط الضوء مجددًا على واقع الحريات الصحفية في مصر، استُدعيت الصحفية البارزة لينا عطا الله، رئيسة تحرير موقع مدى مصر، للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا.

السبب؟ نشر رسالة من الدكتور وليد البرنس، الأكاديمي المعتقل، تضمنت انتقادات للوضع الحقوقي والسياسي في البلاد.

هذا الحدث، رغم كونه ليس الأول، أثار جدلًا واسعًا بين المتابعين للملف الحقوقي، وأعاد إلى الواجهة تساؤلات حول حدود حرية التعبير، واستقلالية الصحافة، والخلط المتزايد بين النشر الصحفي و"التهديد الأمني"، وفقًا لما تتبناه السلطات.

 

من هي لينا عطا الله؟

صحفية مصرية بارزة، ومؤسسة موقع مدى مصر، المعروف باستقلاليته التحريرية.

تم إدراجها عدة مرات في قوائم الصحفيين الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم.

سبق اعتقالها مؤقتًا في 2020 أثناء تغطية ميدانية، كما واجه الموقع الذي تديره الحجب وأوامر توقيف قضائية ضد طاقمه.

استدعاؤها هذه المرة مرتبط بنشر رسالة من داخل السجن كتبها الدكتور وليد البرنس، المعتقل منذ سنوات دون محاكمة علنية، تناولت الأوضاع الإنسانية والسياسية في مصر.

 

ما هي رسالة الدكتور البرنس؟

الرسالة التي نشرت على مدى مصر تطرقت إلى:

  • أوضاع المعتقلين السياسيين وظروف احتجازهم.
  • انتقادات ضمنية للطريقة التي يُدار بها الملف الأمني.
  • دعوة إلى الحوار والانفتاح لا القمع.

لم تحتوِ الرسالة على دعوات للعنف أو تحريض، لكنها تضمنت انتقادًا مباشرًا للسلطة، وهو ما يبدو أنه اعتُبر خرقًا من قبل الأجهزة المختصة.

 

الاستدعاء والتحقيق: ما الذي نعرفه؟

تم استدعاء لينا عطا الله للمثول أمام نيابة أمن الدولة، وهي جهة ترتبط عادةً بالقضايا ذات البعد السياسي أو الأمني.

التحقيق يدور حول ما إذا كان نشر الرسالة يُعد نشرًا لأخبار كاذبة، أو دعمًا لمنظمة محظورة، أو تحريضًا ضد الدولة.

هذا النوع من الاتهامات المتكررة أصبح نمطًا في السنوات الأخيرة مع العديد من الصحفيين والناشطين.

 

سابقة خطيرة: استهداف الصحافة بالتحقيقات الأمنية

ما يثير القلق في هذا الاستدعاء ليس فقط استهداف مدى مصر، بل المنهج المتكرر في التعامل مع الصحافة المستقلة:

أبرز من طالتهم التحقيقات في السنوات الأخيرة:

  • حمدي قشطة – شاعر وصحفي، اعتُقل بسبب مقاطع تنتقد الحكومة.
  • إسراء عبد الفتاح – ناشطة وصحفية، تعرضت للتوقيف والتعذيب.
  • خالد البلشي – نقيب الصحفيين الحالي، سبق التحقيق معه أكثر من مرة.
  • رنا ممدوح، وبسمة مصطفى – صحفيتان تم توقيفهما أثناء تغطيات ميدانية.

معظم هؤلاء لم يتورطوا في تحريض أو دعوة للعنف، بل في نشر تقارير تحقيقية أو تغطيات حقوقية، ما يثير التساؤلات حول التوسع في استخدام "أمن الدولة" كأداة لتقييد العمل الصحفي.

 

البيئة القانونية: كيف يتم تقييد الصحافة؟

تستخدم السلطات المصرية حزمة من القوانين لتضييق الخناق على الإعلام، أبرزها:

  • قانون مكافحة الإرهاب (رقم 94 لسنة 2015): يحتوي على بنود فضفاضة تتيح حبس الصحفيين بتهم "نشر أخبار كاذبة".
  • قانون تنظيم الصحافة والإعلام (180 لسنة 2018): يفرض قيودًا على المحتوى الرقمي، ويتيح الحجب الإداري للمواقع.
  • قانون الطوارئ (قبل إلغائه في 2021): استخدم لسنوات لتبرير الحبس الاحتياطي المطوّل لصحفيين ومعارضين.

هذه القوانين مجتمعة أنتجت بيئة عدائية تجاه حرية النشر، ما دفع العديد من الصحفيين لمغادرة مصر أو التوقف عن النشر.

 

حرية التعبير في مصر: إلى أين؟

بحسب تقارير منظمات دولية:

  • مصر تُصنّف ضمن أسوأ 10 دول عالميًا في مجال حرية الصحافة (وفقًا لـ "مراسلون بلا حدود").
  • هناك أكثر من 60 صحفيًا معتقلًا لأسباب تتعلق بعملهم.
  • أكثر من 500 موقع إلكتروني تم حجبه منذ 2017، معظمها منصات إخبارية مستقلة.

هذا الوضع يُقلّص من المساحة العامة للحوار ويخلق مناخًا من الخوف والرقابة الذاتية.

 

مقارنة دولية: كيف تتعامل الدول الديمقراطية مع هذه القضايا؟

في ألمانيا أو كندا، تعتبر الرسائل من السجون جزءًا من الحق في التعبير، ويُسمح بنشرها ضمن حدود القانون.

حتى في الولايات المتحدة، رغم القوانين الأمنية، يُعترف بحق السجناء في التعبير – ولا يُحاسب الصحفي على النشر إلا في حالات التحريض المباشر على العنف.

الفارق الجوهري: في تلك الدول، يتم فصل السلطات، ولا تتحكم أجهزة الأمن في مصير الصحفي.

 

لماذا تثير رسالة الدكتور البرنس كل هذا؟

لأنها تكشف التوتر الدائم بين:حق المواطن في المعرفة، وحق الصحفي في النشر

لكن غياب الشفافية، واستدعاء صحفيين لمجرد النشر، يطرح علامة استفهام كبيرة حول مَن يحدد الخط الأحمر؟ وكيف؟

وأخيرا فإن استدعاء لينا عطا الله ليس مجرد قضية صحفية، بل هو مرآة لوضع أوسع من التقييد الممنهج للحريات العامة في مصر.

إن استمرار هذا النمط يُقوّض من الثقة في مؤسسات الدولة، ويُهدد بتآكل ما تبقى من فضاء للحوار.

إن مستقبل مصر لا يُبنى بإسكات الأصوات الناقدة، بل بتوفير مساحة آمنة لكل من يكتب، ويفكر، ويعبّر… دون خوف.