في مشهد جديد من سلسلة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في مصر، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن تعرّض الطالب الفلسطيني مالك نضال أبو سنينة، البالغ من العمر 21 عامًا، للإخفاء القسري على يد جهاز الأمن الوطني منذ قرابة ثلاثة أشهر كاملة، دون عرضه على أي جهة قضائية، ودون السماح لأسرته أو محاميه بالتواصل معه أو معرفة مصيره.
مالك، وهو طالب في الفرقة الثالثة بكلية الطب بجامعة المنصورة، وطالب علوم شرعية بالأزهر الشريف، اختفى من أحد شوارع المدينة الجامعية، في واقعة لا تزال تفاصيلها غامضة، وسط اتهامات حقوقية مباشرة للأمن الوطني باختطافه وتغييب حريته خارج إطار القانون.
تفاصيل الحادثة: كيف اختفى مالك؟
وفقًا لتقارير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن عملية الإخفاء بدأت في منتصف مايو 2025، حين كان مالك عائدًا من دراسته، وتم توقيفه في أحد شوارع المنصورة من قبل أفراد يرتدون ملابس مدنية، يُشتبه بانتمائهم إلى جهاز الأمن الوطني، واقتادوه إلى جهة غير معلومة.
منذ تلك اللحظة، لم يتم عرضه على أي جهة تحقيق، ولم تصدر بحقه مذكرة توقيف أو قرار قضائي، ما يُعد خرقًا واضحًا وصريحًا للدستور المصري وللقانون الدولي.
تقول الشبكة الحقوقية: "عائلة مالك توجهت إلى جميع أقسام الشرطة والنيابات في المنصورة والقاهرة، لكن دون جدوى. حتى الآن، لا يُعرف إن كان ما يزال حيًا أم تعرّض للتعذيب أو التصفية."
من هو مالك أبو سنينة؟
الاسم: مالك نضال أبو سنينة
العمر: 21 عامًا
الجنسية: فلسطيني (من القدس المحتلة)
الكلية: طالب طب بجامعة المنصورة، الفرقة الثالثة
دراسته الموازية: علوم شرعية بالأزهر الشريف
سجله الأمني: لا توجد بحقه أي تهم جنائية أو سياسية معلنة
الوضع القانوني: مقيم قانونيًا في مصر منذ سنوات بحكم الدراسة
يُعرف مالك بين أقرانه بأنه متفوق أكاديميًا، يحافظ على التزامه الديني، ولا ينخرط في أي نشاط سياسي أو تنظيمي، بحسب أقوال زملائه.
الإخفاء القسري: سياسة ممنهجة
قضية مالك ليست استثناءً، بل تأتي في سياق ممنهج من ممارسات الإخفاء القسري التي يتبعها النظام المصري منذ سنوات، خاصةً بحق الطلاب، والناشطين، والمقيمين من جنسيات عربية.
إحصاءات مرعبة:
وفق تقرير سابق للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن أكثر من 4,000 حالة إخفاء قسري تم توثيقها في مصر بين 2013 و2024.
من بين هؤلاء، أكثر من 70 حالة لطلاب جامعات، بعضهم مصريون، وآخرون من جنسيات عربية كالسودان وسوريا وفلسطين.
انتهاك للقانون المصري والدولي
إخفاء مالك يُعد انتهاكًا صريحًا لعدة مواد من الدستور المصري:
المادة 54: تنص على أن الحرية الشخصية حق أصيل، ولا يجوز القبض على أي شخص أو حبسه إلا بأمر قضائي.
المادة 55: تضمن احترام كرامة الإنسان ومنع تعذيبه أو تهديده أو حبسه في أماكن غير قانونية.
كما أنه يتعارض مع التزامات مصر الدولية، خصوصًا:
الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (رغم أن مصر لم تصادق عليها بعد، لكنها موقعة).
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر الاعتقال التعسفي.
ردود الفعل الحقوقية والطلابية
أثارت القضية موجة من الاستنكار بين منظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية المصرية والدولية، وسط دعوات بالإفراج الفوري عن مالك أو الكشف عن مكان احتجازه على الأقل.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان: "مالك أبو سنينة ضحية جديدة لنظام قمعي يضرب بعرض الحائط كافة الأعراف والمواثيق، ولا يتورع عن ملاحقة حتى الطلبة غير المصريين."
مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف: "الإخفاء القسري أصبح أداة أساسية في قبضة الأجهزة الأمنية، وعلينا كحقوقيين فضح هذه الجرائم باستمرار."
في المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة الداخلية المصرية، أو رئاسة الجامعة، رغم مناشدات الأصدقاء والطلاب والأسرة.
الطلاب الأجانب في مصر.. تحت قبضة الأمن الوطني؟
رغم أن مصر كانت تاريخيًا مركزًا تعليميًا للعرب والمسلمين، فإن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في شعور الأمان بين الطلاب الأجانب، خاصة الفلسطينيين والسوريين، بعد أن باتوا يُستهدفون أمنيًا في كثير من الأحيان دون مبرر.
وقائع مشابهة:
في 2020، تم إخفاء الطالب السوداني وليد عبد الرحمن لمدة 5 أشهر.
في 2023، تعرض الشاب السوري أنس الحمصي للاعتقال غير القانوني وتعذيب شديد.
في 2024، رُحل عدد من الطلاب اليمنيين بزعم "تهديد الأمن القومي" دون محاكمات.
هل يخشى النظام من طلبة العلوم الشرعية؟
وفق ناشطين، فإن السلطات المصرية تُبدي حساسية مفرطة تجاه طلاب العلوم الإسلامية بالأزهر، خاصة إذا جمعوا بين الدراسة الشرعية والعلمية، كما هو حال مالك.
تقول الباحثة الحقوقية مها عز الدين: "طلاب الأزهر باتوا يُعامَلون كمشتبه بهم تلقائيًا. هذا التوجس الأمني يُفسر جزئيًا سبب استهداف مالك، رغم خلو سجله من أي نشاط سياسي."
مناشدات إنسانية.. وصمت رسمي
تعيش عائلة مالك في حالة صدمة وخوف دائم، إذ لا تعرف إن كان ابنها ما يزال على قيد الحياة.
وقد وجهت أسرته نداءً إلى:
الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتدخل الفوري.
الأزهر الشريف لرفع الصوت دفاعًا عن أحد طلابه.
المنظمات الدولية، وعلى رأسها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، للضغط على السلطات المصرية.
حتى الآن، لا تلوح في الأفق أي بوادر للإفراج، أو حتى الاعتراف بوجود مالك داخل أي من السجون الرسمية.
وفي الختام فإن استمرار الإخفاء القسري للطالب الفلسطيني مالك نضال أبو سنينة يُعد جريمة إنسانية وقانونية، تتجاوز كونه مجرد انتهاك فردي إلى كونه تجسيدًا لنهج أمني قمعي يستبيح الحرية والكرامة.
وإذا لم تتحرك الجهات القضائية المصرية بشكل عاجل، فإن مصر تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته الجسدية والنفسية.