في نداء إنساني مؤلم، طالبت أسرة المعتقل أمين الصيرفي، السكرتير السابق للرئيس الراحل محمد مرسي، بالسماح لهم بزيارته داخل سجن بدر 3، حيث يُحتجز في ظروف توصف من قبل الحقوقيين بأنها "قاسية، وغير آدمية، وتشبه المقابر المعزولة".

لم تكن مطالبة الأسرة مطلبًا سياسيًا، بل صرخة إنسانية بسيطة: أن يُسمح لهم برؤية ابنهم المعتقل منذ أكثر من عشر سنوات، دون زيارة منتظمة، أو اتصال هاتفي، أو حتى معلومة موثقة عن وضعه الصحي.

لكن هذه الصرخة، للأسف، ليست سوى نقطة في بحر من الانتهاكات التي يتعرض لها آلاف السجناء السياسيين في مصر، وعلى رأسهم المعتقلون داخل مجمع سجون بدر الذي بات رمزًا للعزلة والاختفاء والتعذيب النفسي.

 

أمين الصيرفي.. من سكرتير رئيس إلى زنزانة منسية

أُلقي القبض على أمين الصيرفي في أعقاب الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ضمن حملة أمنية شرسة استهدفت كل من عملوا في محيط الرئيس المنتخب محمد مرسي.

كان الصيرفي يشغل منصب سكرتير الرئيس للشؤون الإدارية، وهو منصب لا يُمثل موقعًا سياسيًا أو أمنيًا من الدرجة الأولى، إلا أن العقوبة التي واجهها منذ لحظة اعتقاله فاقت حدود العدالة والمعقولية.

تم توجيه عدة اتهامات إليه، أبرزها "تسريب مستندات رئاسية" و"الانتماء لجماعة محظورة"، وهي التهم التي لاحقت كل من اقترب من دوائر الحكم في عهد الرئيس الشهيد مرسي.

وبعد محاكمات وُصفت بـ"غير النزيهة"، حُكم على الصيرفي بالسجن المشدد، ثم تم نقله إلى مجمع سجون بدر لاحقًا، حيث انقطعت أخباره، وتدهورت ظروفه، وبدأت أسرته رحلة من العذاب لا تقل قسوة عن محنته الشخصية.

 

سجن بدر 3.. الجحيم الحديث على أطراف القاهرة

يشير كثير من الحقوقيين إلى أن مجمع سجون بدر، وخاصة بدر 3، قد حل محل سجن العقرب سيئ السمعة، وأصبح هو الآن "محرقة السجناء السياسيين في مصر".

ويُوصف بدر 3 بأنه:

  • سجن شديد الحراسة، مزود بكاميرات مراقبة 24/7.
  • تُحرم فيه الزيارات العائلية لفترات غير محددة.
  • لا يُسمح فيه بأي تواصل بين السجين والعالم الخارجي.
  • تُغلق فيه الزنازين المعدنية بإحكام، وسط إضاءة دائمة تُسبب الأرق.
  • يتعرض فيه المعتقلون لدرجات حرارة متجمدة شتاءً ومرتفعة صيفًا
  • يمنع فيه التريض، والكتب، والرعاية الطبية.

وقد وثّقت منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية شهادات لمعتقلين سابقين قالوا إن "الحياة في بدر 3 ليست سوى طريقة بطيئة وممنهجة لقتل السجين".

 

الانتهاكات بحق الصيرفي.. تنكيل ممنهج وصمت مريب

منذ نقله إلى بدر 3، أكدت أسرة أمين الصيرفي أنهم لا يستطيعون زيارته، وأنهم لا يعلمون شيئًا عن حالته الصحية، أو ما إذا كان على قيد الحياة أم لا.

وبحسب رسالة الأسرة:  "كل ما نطلبه هو زيارته أو حتى مكالمة هاتفية واحدة نطمئن من خلالها أنه بخير. نريد أن نعرف هل يحصل على الدواء؟ هل يأكل؟ هل يرى الشمس؟".

لكن إدارة السجن – كعادتها – تواصل سياسة التجاهل، والتعتيم الإعلامي، والإنكار الرسمي.

وقد سبق أن وثقت المنظمات الحقوقية أن الصيرفي:

  • تم منعه من التواصل مع محاميه وأسرته.
  • تعرّض لفترات عزل انفرادي مطولة.
  • تم إخفاؤه قسريًا عدة أشهر بعد نقله إلى بدر.
  • يُحرم من الرعاية الطبية رغم معاناته من أمراض مزمنة.

 

سياسة العزل النفسي.. نوع جديد من القتل

وفقًا لشهادات سجناء سابقين، فإن "بدر 3" لا يُمارس التعذيب الجسدي التقليدي، بل يُمارس أنماطًا جديدة من القمع، يُطلق عليها السجناء وصف "الموت الأبيض"، أبرزها:

  • العزل التام: لا تواصل، لا زيارات، لا محامين.
  • الحرمان من العلاج: حتى الحالات الحرجة تُهمل عمدًا.
  • التحكم في الضوء والتهوية: الزنازين تبقى مضاءة بشكل مفرط أو مظلمة طوال اليوم.
  • المراقبة المستمرة: حتى أثناء النوم أو قضاء الحاجة.