في قلب القاهرة الصاخبة، حيث يضيع الضعفاء بين صخب الحياة اليومية وقسوة الإجراءات الأمنية، يعيش محمد وليد محمد عبد المنعم، الشاب التسعة عشر عاماً، فصلاً مأساوياً يُجسّد الوجه الأكثر قسوة لانعدام العدالة. شاب قصير القامة، مصاب بعدة إعاقات جسدية مزمنة، محبوس احتياطياً في سجن وادي النطرون منذ أكثر من 15 شهراً، بتهمة تولّي قيادة وتمويل جماعة إرهابية. تهمة لا تتناسب مع قدراته البدنية، ولا حتى مع حالته الصحية التي توصف بالحرجة، كما يقول محاموه.

في يوم 24 أبريل 2024، اعتُقل محمد أمام بوابة جامعة النيل الأهلية، بينما كان يخطو أولى خطواته نحو حلم التعليم، لا يحمل شيئاً سوى جسده الواهن وأحلام معلّقة على أبواب الجامعة. لكن بدلًا من قاعات المحاضرات، انتهى به المطاف إلى زنازين معتمة، وممرات موحشة في واحد من أكثر السجون قسوة في مصر.

 

اتهامات ثقيلة.. وجسد لا يتحمّل

بحسب المحاميين نبيه الجنادي وطارق العوضي، فإن التهم التي وُجّهت إلى محمد تضمنت "قيادة جماعة إرهابية" وتمويلها، ضمن القضية رقم 2806 لسنة 2024. وهي تهم تُوجَّه عادة إلى نشطاء سياسيين ذوي تأثير أو انخراط في أنشطة تنظيمية، لا إلى شاب لا يستطيع حتى فتح باب غرفته دون مساعدة.

محمد، بحسب أسرته، يعاني من سلسلة طويلة من الأمراض والإعاقات، أبرزها:

  • خلل حاد في العمود الفقري واعوجاج دائم فيه
  • إعاقة تامة في الذراع اليسرى
  • ضمور في القدم اليسرى
  • كِبَر غير طبيعي في حجم الجمجمة
  • ضعف شديد في عضلة القلب والرئتين
  • عدم قدرته على قضاء حاجته أو الحركة دون مساعدة

ورغم ذلك، لم تُأخذ حالته الصحية بعين الاعتبار، واستمر تجديد حبسه احتياطياً دون توفير الرعاية اللازمة له، حسبما تؤكد أسرته.

 

مشاهد مؤلمة من داخل السجن

تُظهر الصور المسربة من داخل مستشفى السجن محمد مستلقياً على سرير، يرتدي رداءً أزرق، جسده النحيل أشبه بصرخة خامدة، وعيناه مغلقتان كأنهما تستجديان الخلاص. في صورة أخرى، وجهه منتفخ تحيطه كدمات سوداء، ولسانه خارج فمه بشكل لا إرادي. "هذا المشهد وحده يكفي لإدانة كل منظومة العدالة في هذا الملف"، كتب أحد المتابعين عبر "فيسبوك".

أما والدته، فلا تملك سوى الدعاء والاستغاثة. تقول باكية: "محمد لا يستطيع أن يتحرك بمفرده.. كيف يتّهمونه بقيادة شيء؟ كيف؟!".

أصدقاء العائلة والنشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أطلقوا حملات تضامن واسعة، داعين إلى الإفراج الفوري عنه، ومطالبين بالتحقيق في ظروف اعتقاله وما وصفوه بـ"العبث القضائي الذي يقتل الأبرياء بالبطيء".

 

ردود الفعل.. صرخات في صمت

تحت منشور المحامي نبيه الجنادي الذي تناول قضية محمد، علّق العشرات بكلمات تعكس حالة من الغضب والإحباط. كتب أحدهم: "هذه ليست عدالة.. هذا انهيار كامل في القيم الأخلاقية والإنسانية!"

وآخر كتب: "في مصر مآسٍ كثيرة، لكن محمد يختصرها كلها: شاب عاجز يُسجن ويُحاكم وكأنه قائد تنظيم سري!"

في شهادة مؤثرة أخرى، كتب جارٌ للعائلة: "أعرف شاباً عنده تأخر عقلي، سُجن أكثر من خمس سنوات رغم تقارير تثبت حالته، محمد يواجه المصير نفسه"

 

برقيات استغاثة واستنفار حقوقي

أسرة محمد أرسلت برقيات استغاثة إلى الرئاسة تطالب فيها بالإفراج عنه فوراً، كما نشرت منشورات على "فيسبوك" توثق حالته وتفاصيل قضيته، وتؤكد خلو سجلّه من أي أنشطة سياسية أو تنظيمية.

حقوقيون اعتبروا القضية دليلاً صارخاً على الاعتقال العشوائي والانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان، داعين إلى مراجعة كافة القضايا التي تضم مرضى أو أصحاب إعاقات مزمنة، وإلى تفعيل مواد الدستور والقوانين المحلية والدولية التي تكفل الكرامة والمعاملة الإنسانية للمعتقلين.

 

محمد ليس وحده

قضية محمد ليست حالة استثنائية، بل تمثّل جزءاً من سياق أوسع يشهد فيه أصحاب الاحتياجات الخاصة معاناة مضاعفة داخل منظومة عقابية لا ترحم، وعدالة لا ترى، وسلطة لا تسمع.

قصة محمد ليست فقط عن شاب معاق.. إنها عن مجتمع فقد بوصلته، وعدالة غابت عنها الإنسانية، ونظام لم يترك لأمه سوى الانتظار على أبواب الموت البطيء.

https://www.facebook.com/nabeh.alganadi.14/posts/3601158350039268?ref=embed_post