تعيش مدينة بلقاس في محافظة الدقهلية حالة من الغضب الشعبي والتوتر الأمني منذ ساعات، بعد الإعلان عن وفاة الشاب المحتجز أيمن صبري عبد الوهاب داخل قسم شرطة بلقاس، وسط اتهامات حقوقية وأسرية بتعرضه للتعذيب على مدار أسبوع كامل داخل مقر احتجازه، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيما تنفي وزارة الداخلية وجود أي شبهة جنائية وتصر على أن الوفاة "نتيجة إعياء مفاجئ".

 

فيديوهات توثق الغضب

وانتشرت على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) مقاطع فيديو توثق احتجاجات اندلعت فجر الأحد 27 يوليو، يظهر فيها عشرات المواطنين وهم يلقون الحجارة على سيارة شرطة في أحد شوارع بلقاس، قبل انسحاب القوة الأمنية من الموقع، وتصدر وسم "بلقاس" منصات التواصل، وسط دعوات للتحقيق الشفاف في الواقعة ومحاسبة المتورطين في حال ثبتت مسؤوليتهم عن التعذيب.

https://x.com/Youssef97696132/status/1949588863766450655

 

روايتان متناقضتان

تباينت الروايات حول ظروف وفاة الشاب، الذي يبلغ من العمر 21 عامًا ويدرس في الجامعة.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية توثق الانتهاكات، قالت إن أيمن اعتُقل يوم 19 يوليو واقتيد إلى قسم بلقاس دون عرضه على النيابة في المدة القانونية، وتعرض لتعذيب جسدي ونفسي شديد على يد ضباط وحدة المباحث، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية.

وأوضحت الشبكة أنه خلال آخر زيارة لأسرته يوم الجمعة 25 يوليو، بدا أيمن في حالة إعياء شديد وسقط مغشيًا عليه أمام والدته، كما سلّمهم ورقة بها أسماء أدوية، دون تفسير لحالته، قبل أن يتوفى في اليوم نفسه داخل القسم، دون إبلاغ الأسرة رسميًا، التي علمت بوفاته عبر محاميه فجر اليوم التالي.

في المقابل، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا أكدت فيه أن المحتجز "كان محبوسًا احتياطيًا على ذمة قضية اتجار في المخدرات وحيازة سلاح"، وتم نقله إلى أحد المستشفيات يوم 26 يوليو بعد شعوره بإعياء، لكنه توفي لاحقًا. وادعت الوزارة أن زميليه في الزنزانة لم يتهما أحدًا أو يشتبها في وجود شبهة جنائية، وتم إخطار أهله، فيما تولت النيابة التحقيق وأمرت بتشريح الجثمان والتصريح بالدفن.

https://x.com/_AliBakry/status/1949563154725568589

 

شكوك وسخط في الشارع

تصريحات الداخلية لم تُطفئ نار الغضب الشعبي، حيث خرج العشرات من أهالي بلقاس مطالبين بكشف حقيقة ما حدث داخل القسم. ويقول أحد أقرباء أيمن – فضل عدم ذكر اسمه –: "أيمن لم يكن يعاني من أمراض، وفوجئنا بوفاته بعد أيام من اعتقاله، لا نقبل دفنه دون تقرير رسمي مفصل يوضح سبب الوفاة"

وتُطالب أسرة أيمن وناشطون حقوقيون بفتح تحقيق نزيه تشرف عليه جهة مستقلة، ونشر نتائج تقرير الطب الشرعي أمام الرأي العام، لتبديد الشكوك، خاصة في ظل "السوابق المتكررة" – حسب وصفهم – لحالات وفاة داخل أقسام الشرطة.

 

استحضار "خالد سعيد" و"محمود ميكا"

واقعة أيمن أعادت إلى أذهان كثيرين حادثة خالد سعيد الشهيرة عام 2010، التي كانت أحد شرارات ثورة 25 يناير، بعدما حاولت وزارة الداخلية وقتها تبرير وفاته بابتلاع لفافة بانجو، بينما أظهرت صور جثمانه تعرضه للضرب المبرح.

كما تعيد الحادثة التذكير بوفاة الشاب محمود محمد أسعد المعروف بـ"محمود ميكا" داخل قسم الخليفة في أبريل الماضي، والتي طالبت 17 منظمة حقوقية بالتحقيق فيها بعد ظهور آثار تعذيب على جثته، فيما نفت الداخلية تلك الرواية مدعية وفاته إثر "مشاجرة مع محتجز آخر".

 

حقوقيون: "التعذيب في مصر ممنهج"

المنظمات الحقوقية المصرية والدولية لم تغب عن المشهد. فقد دانت "الشبكة المصرية" وكيانات أخرى ما وصفته بـ"تصاعد وتيرة الوفيات داخل أماكن الاحتجاز"، مشيرين إلى وجود "قرائن متواترة" على ممارسة التعذيب بشكل ممنهج.

وكانت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة قد أصدرت في 2023 تقريرًا صادمًا وصفت فيه التعذيب في مصر بأنه "ممنهج وواسع النطاق"، وطالبت السلطات بإغلاق أماكن الاحتجاز غير الرسمية وتجريم الإخفاء القسري صراحة.

ورغم توقيع مصر على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1986، والتي تلزمها بتقديم تقارير دورية عن مدى التزامها ببنود الاتفاقية، إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان داخل أماكن الاحتجاز تواصل إثارة الجدل محليًا ودوليًا.

https://www.facebook.com/reel/653191594459664

https://www.facebook.com/reel/1262667668678449