قررت حكومة عبدالفتاح السيسي، ضخ 10 مليارات جنيه في صيانة الطرق، منها 6 مليارات إضافية، لتضاف إلى مخصصات قائمة بقيمة 4 مليارات، وذلك في ظل انتقادات واسعة لتجاهل أولويات المواطن الأساسية من تعليم وعلاج، ووسط تساؤلات مشروعة حول فاعلية المشروعات السابقة التي كلفت ميزانية الدولة مئات المليارات دون ضمانات صيانة حقيقية أو محاسبة على الإخفاقات، في الوقت الذي تشهد فيه مصر أزمة اقتصادية خانقة تطال كل بيت.

وبينما تتوالى شكاوى المواطنين من نقص الأسرة في المستشفيات الحكومية، وتكدس الفصول الدراسية، وارتفاع أسعار الدواء والعلاج، تواصل وزارة النقل ما تسميه "خطة عاجلة" لصيانة الطرق السريعة، وعلى رأسها الطريق الدائري الإقليمي الذي شهد مؤخرًا سلسلة من الحوادث القاتلة، ما دفع عبد الفتاح السيسي إلى إصدار تعليمات بإغلاق أجزاء منه لحين تقييم حالته.

 

طريق الموت الذي كلف المليارات
الطريق الدائري الإقليمي، الذي أُنشئ عام 2018 بتكلفة ضخمة ضمن المشروع القومي للطرق، يمتد بطول 400 كيلومتر عبر أربع محافظات، لكنه تحول إلى مصدر تهديد يومي لحياة السائقين، خاصة في المناطق التي لم تُنفذ وفق معايير السلامة، أو تأثرت بالحمولات الزائدة دون رقابة فعالة.

ووفق مصدر في الهيئة العامة للطرق والكباري، فإن الطريق يعاني من هبوط متفاوت في 157 كيلومتراً، ما يستدعي إعادة تأهيله بتكلفة تقدر بملياري جنيه، تضاف إلى مخصصات العام الحالي.

وأوضح المصدر أن الهيئة تدرس تنفيذ حارة خرسانية للشاحنات الثقيلة في بعض المناطق لتقليل الضغط، بدلاً من إنشائها على طول الطريق، تجنباً لتكاليف إضافية قد تشمل نزع ملكيات جديدة لأراضٍ زراعية.

 

استنزاف متواصل.. وقطاعات خدمية تتهاوى
وتعد الهيئة من الجهات الخدمية الأساسية في قطاع البنية التحتية، ورغم ضخامة مشروعات الطرق في العقد الأخير – والتي شملت إنشاء نحو 1000 كوبري ونفق، إلى جانب 7 آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة – فإنها تعاني اليوم من نقص في ميزانيات الصيانة، ما يطرح علامات استفهام حول التخطيط والتنفيذ والمتابعة.

ويرى مختصون أن المشكلة ليست فقط في ضخ الأموال، بل في غياب الشفافية والرقابة، حيث تتكرر مشاهد الانهيارات والحوادث في مشروعات لم يمر على إنشائها سوى بضع سنوات، وهو ما يعكس ضعف الجودة أو سوء الصيانة أو الإثنين معًا.

 

"لماذا الطرق لا المدارس؟".. غضب شعبي متصاعد
أمام هذا المشهد، يتزايد الغضب في الشارع المصري من "الأولويات المقلوبة"، كما يصفها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي. فبينما تنفق الدولة المليارات على مشروعات بنية تحتية قد لا تمس حياة المواطن العادي بشكل مباشر، تظل المدارس الحكومية تعاني من التكدس، والطلاب يجلسون على الأرض أو يتناوبون على مقاعد مهترئة، في حين تنهار منظومة الرعاية الصحية أمام الأزمات المتكررة.

يقول محمد عبد الرحمن، موظف حكومي وأب لثلاثة أطفال: "كل يوم نسمع عن مليارات للطرق والكباري، بينما ابني في مدرسة مفيهاش حمام شغال، وبنتي بتاخد درس بـ 150 جنيه لأنها مش فاهما حاجة في الفصل.. فين العدالة؟ فين عقل الدولة؟".

 

صوت بلا صدى: غياب الشفافية والمساءلة
تفتقد خطة الصيانة الجارية لآليات واضحة للمساءلة، خصوصاً أن عدداً من الطرق التي يتم ترقيعها الآن، كلفت الدولة عشرات المليارات في مرحلة إنشائها منذ أقل من عقد. وهو ما يطرح تساؤلات ملحة: من المسؤول عن التدهور السريع لهذه الطرق؟ وهل هناك مراجعة حقيقية لمستوى التنفيذ وجودته؟

الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عبد المعطي يرى أن: "الإنفاق الحكومي لا يُدار بمنطق الأولويات المجتمعية، بل بمنطق العوائد السياسية والبهرجة الإعلامية، ولذلك لا نجد استثماراً حقيقياً في رأس المال البشري بقدر ما نجد في الخرسانة والأسفلت".