في تطور جديد يعكس عمق الأزمة الاجتماعية المتفاقمة حول قانون الإيجار القديم في مصر، خرجت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد عن صمتها مطلقةً صرخة استغاثة علنية، حذّرت فيها من مصير غامض يهددها بفقدان شقتها في حي المهندسين، التي تحتفظ داخلها بتراثها الفني المتمثل في مئات الصور والملصقات (الأفيشات) والذكريات التي وثقت لمسيرتها الطويلة في السينما المصرية، ووصفت عبيد هذا القانون بأنه "قاسٍ وغير عادل"، لأنه لا يراعي البعد الإنساني أو التاريخي للمتضررين، بل يعاملهم كـ"محتلين" لعقارات ينبغي نزعها منهم.

 

استغاثة نبيلة عبيد.. "شقتي ليست مجرد مكان.. إنها أرشيف مصر الفني"

أعربت الفنانة نبيلة عبيد عن قلقها الشديد من تعديلات قانون الإيجار القديم، مشيرةً إلى أن شقتها في شارع جامعة الدول العربية بالقاهرة ليست مجرد سكن، بل هي "ملاذ يختزن تاريخي الفني والإنساني بأكمله".

تضم الشقة مقتنياتها الفنية النادرة، صورها، جوائزها، وأرشيفًا كاملاً من المجلات والصحف التي توثق مسيرتها الفنية الممتدة لأكثر من خمسة عقود.

في تصريحات مؤثرة لصحيفة "الشروق" المصرية يوم السبت 6 يوليو 2025، تساءلت عبيد: "أودي التاريخ ده فين؟ أحطه فين؟ أنا لما يجرالي حاجة النهاردة، التاريخ ده هيروح فين؟ كل الجوائز تترمي فين؟! تتباع على سور الأزبكية يعني؟".

كما أضافت أن الشقة عزيزة عليها وتحوي كل نجاحاتها السينمائية من "رابعة العدوية" وحتى "الراقصة والسياسي" وكشفت عن خطتها السابقة لتحويل الشقة إلى متحف مفتوح للجمهور.

ناشدت نبيلة عبيد وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، ونقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي، ونقيب السينمائيين مسعد فودة، لحماية هذا التراث الفني.

إلا أن الفنان منير مكرم، عضو نقابة المهن التمثيلية، رد على استغاثتها قائلاً: "النقابة ملهاش علاقة، ده قانون والقانون فوق الجميع"، مشيراً إلى أنه هو نفسه يعيش في شقة إيجار قديم وسيخضع للقانون مثل الجميع.

 

قانون مثير للجدل

بدأت حكومة الانقلاب المصرية التحرك لتعديل قانون الإيجار القديم منذ عام 2021، وشُكّلت لجنة لمراجعة مواده في مجلس النواب برعاية وزير الإسكان آنذاك عاصم الجزار، وفي يونيو 2022، وافق البرلمان على قانون يُلزم بإخلاء الوحدات المؤجرة لغير غرض السكن (مثل المكاتب والمقار الإدارية)، وهو ما اعتبره البعض تمهيدًا لتعميم الإخلاء مستقبلاً على الوحدات السكنية.

وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد الوحدات السكنية المؤجرة بنظام الإيجار القديم يتجاوز 3 ملايين وحدة، يقطنها أكثر من 12 مليون مواطن، معظمهم من الطبقة المتوسطة وكبار السن الذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة، ويعجزون عن مواكبة أسعار الإيجارات الجديدة المرتفعة.

لم تكن نبيلة عبيد الوحيدة التي أطلقت ناقوس الخطر، فقد سبقتها شخصيات عامة عدة عبّرت عن قلقها وغضبها من آثار القانون:

  • الفنانة سميرة عبد العزيز صرّحت في وقت سابق بأنها تواجه خطر فقدان شقتها المؤجرة في الزمالك، والتي تقيم فيها منذ أكثر من 40 عامًا، مشيرة إلى أن أسعار الإيجار الجديدة غير ممكنة بالنسبة لها: "لا أمتلك دخلاً ثابتًا، ولا أقدر على دفع 10 آلاف جنيه إيجار شهري كما يُطلب حاليًا. هذا القانون يهدم لا يرمم".
  • المخرج محمد فاضل أعرب عن رفضه التام لتطبيق القانون بأثر رجعي، مؤكدًا أن العدالة الاجتماعية تقتضي إيجاد حلول وسط تحفظ حق الطرفين، المالك والمستأجر، دون اللجوء إلى الطرد.
  • حتى عضو مجلس النواب السابق، محمد بدراوي، أشار في تصريحات له عام 2023 إلى أن "الإصلاح يجب أن يتم تدريجيًا"، مطالبًا بإنشاء صندوق تمويلي لدعم الفئات المتضررة من قانون الإيجار القديم، على غرار صناديق دعم العشوائيات.

أثارت تصريحات نبيلة عبيد موجة من التضامن الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشر هاشتاغ #أنقذوا_شقة_نبيلة_عبيد و #لا_لهدم_ذكرياتنا وشهد تفاعلاً كبيرًا من النشطاء والمواطنين الذين عبّروا عن رفضهم لما سموه "الاقتلاع القسري من المنازل".

وكتبت إحدى المتابعات على "تويتر": "إذا كانت نبيلة عبيد مهددة بالطرد، فماذا عن المواطن البسيط؟ هل أصبح السكن رفاهية لا يستحقها إلا الأغنياء؟"

في المقابل، أكد المتحدث باسم وزارة الإسكان في حكومة الانقلاب في تصريحات إعلامية بتاريخ 7 يوليو 2025، أن "القانون لا يستهدف طرد المواطنين من بيوتهم، بل يسعى لتحقيق العدالة بين المالك والمستأجر، وأن أي تنفيذ سيكون تدريجيًا مع مراعاة الظروف الاجتماعية".

وأشار إلى أن هناك مقترحات لتطبيق الزيادة في الإيجارات بنسبة تدريجية على 5 سنوات، مع تقديم إعانات للفئات غير القادرة، بالتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي.

 

هل من حل متوازن؟

تُطرح في الأوساط التشريعية فكرة "الإيجار التمليكي" كحل وسط، يتيح للمستأجر تملك الوحدة بدفع مبلغ رمزي على أقساط طويلة الأمد، أو "صندوق تعويضات" يدعم المالك دون طرد المستأجر، ولكن حتى الآن لم تُقر بشكل رسمي، في ظل تمسك بعض نواب البرلمان بتطبيق ما سموه "رد المظالم إلى الملاك"، خاصة أن هناك وحدات يُدفع مقابل إيجارها أقل من 20 جنيهًا شهريًا، وهو ما وصفوه بأنه "ظلم تاريخي".