في مارس 2024، وقعت مصر اتفاقية مع صندوق النقد الدولي لتسهيل برنامج إصلاح اقتصادي مدته 46 شهرًا بقيمة 8 مليارات دولار، في ظل أزمة نقص حاد في العملة الصعبة وتضخم وصل إلى 38% في سبتمبر 2023.

منذ ذلك الحين، أحرزت مصر تقدمًا ملحوظًا في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الكلية، بما في ذلك تحسن معدلات التضخم وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي، وفق تصريحات المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك في مايو 2025.

لكن الصندوق يشدد على ضرورة تعميق الإصلاحات، خاصة تقليص ملكية الدولة في الاقتصاد لتحفيز القطاع الخاص وتحقيق نمو مستمر.

دمج المراجعتين الخامسة والسادسة وتأثيره على التمويل

في 3 يوليو 2025، أعلنت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك خلال مؤتمر صحفي دوري أن الصندوق سيجمع المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج دعم مصر الاقتصادي ليتم إنجازهما معًا خلال فصل الخريف من العام نفسه.

وأوضحت أن هذا الدمج يهدف إلى منح الحكومة المصرية مزيدًا من الوقت لاستكمال الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، لا سيما المتعلقة بتقليص دور الدولة في الاقتصاد وتسريع برنامج الخصخصة.

وأكدت كوزاك أن هذا الدمج سيتسبب في تأخير صرف شريحة جديدة من التمويل المتفق عليه لنحو ستة أشهر، مما قد يؤثر على السيولة المالية للحكومة المصرية في المدى القريب، في حين بلغ إجمالي المبالغ المصروفة حتى الآن نحو 3.5 مليار دولار.

 

الاقتصاد المصري تحت حكم السيسي.. نمو اقتصادي أم تفاقم أزمات؟

شهد الاقتصاد المصري تحت حكم السيسي نموًا ملحوظًا، حيث أصبح الأسرع نموًا في الشرق الأوسط بحلول 2019، مدعومًا بإصلاحات هيكلية وبرامج استثمارية كبرى مثل مشروع قناة السويس الجديدة، إلا أن هذا النمو لم يترجم إلى تحسن في مستوى معيشة الفقراء، حيث استمرت نسب الفقر في الارتفاع بسبب إجراءات التقشف وأزمة جائحة كورونا.

كما انتقد مراقبون زيادة دور الجيش في الاقتصاد، رغم نفي السيسي أن يتجاوز هذا الدور 2% من الناتج المحلي.

صندوق النقد الدولي يؤكد ضرورة تحسين بيئة الأعمال وتوسيع دور القطاع الخاص لتحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة.

 

ما مدى تأثير تأخير صرف الشريحة الجديدة على مشاريع التنمية المصرية؟!

تأخير صرف الشريحة الجديدة من قرض صندوق النقد الدولي لمصر له تأثيرات سلبية ملموسة على مشاريع التنمية القومية، خصوصًا في ظل التزام الحكومة بخفض الإنفاق العام على المشروعات التي تتطلب مكونًا دولاريًا، وهو ما يؤدي إلى تأجيل مشروعات غير ذات أولوية أو لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

هذا التأجيل يفاقم أزمة قطاع الإنشاءات في مصر، حيث تم الإعلان عن ضوابط لترشيد الإنفاق العام، مما أدى إلى تأجيل مشروعات قومية كبيرة مثل بعض أجزاء العاصمة الإدارية الجديدة وربما محطة الضبعة النووية على المدى القصير.

كما تشير تقديرات الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء إلى خسائر قد تصل إلى نحو 40 مليار جنيه (حوالي 1.34 مليار دولار) بسبب خفض الإنفاق وتأجيل المشروعات.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني قطاع الإنشاءات من ضغوط كبيرة تشمل مشاكل السيولة، نقص المواد الخام، وارتفاع تكاليف الاقتراض، مما يدفع المقاولين للمطالبة بتمديد مواعيد التسليم وصرف التعويضات المتأخرة.

من الناحية المالية، تأخير صرف الشريحة الجديدة يعني ضغطًا على السيولة المالية للحكومة، مما قد يعرقل تنفيذ خطط التنمية ويؤخر إنجاز المشروعات الحيوية، خاصة تلك التي تعتمد على التمويل الخارجي.

كما أن هذا التأخير يعكس خلافات بين الحكومة وصندوق النقد حول شروط الإصلاحات الهيكلية، ما يزيد من حالة عدم اليقين بشأن استمرارية التمويل.

 

تحديات المستقبل السياسي والاقتصادي

يواجه نظام الانقلاب المصري بقيادة السيسي تحديات كبيرة في تعميق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من صندوق النقد الدولي، خاصة تقليص ملكية الدولة في قطاعات استراتيجية، وهو ما يثير مخاوف من مقاومة داخلية.

تأخير صرف التمويل الدولي نتيجة دمج المراجعات قد يضغط على المالية العامة ويزيد من صعوبة تنفيذ المشاريع التنموية.

على الصعيد السياسي، استمرار القمع وانتهاكات حقوق الإنسان يشكل عائقًا أمام الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ويزيد من عزلة مصر دوليًا.

باختصار، تأخير صرف الشريحة الجديدة يؤدي إلى تباطؤ أو تأجيل مشروعات التنمية القومية، يعمق أزمات قطاع الإنشاءات، ويزيد من الضغوط المالية على الحكومة، مما قد يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي واستقرار سوق العمل المرتبط بهذه المشروعات