د ممدوح المنير*
لا شك أن نتائج انتخابات الرئاسة المصرية فى جولتها الأولى كانت صادمة للجميع بشكل كبير ، كما جاءت مخالفة لغالبية استطلاعات الرأى خاصة التى نشرتها مواقع و صحف مصرية حكومية و خاصة .
هناك عدة ملاحظات يجب تسجيلها بداية ، قبل أن نفسر السبب الذى خرجت به النتيجة فى شكلها الحالى :
ملاحظات على النتائج
1- تراجع حجم الكتلة التصويتية للإخوان إلى ما يقارب النصف ، فالإخوان فى انتخابات مجلس الشعب التى عقدت قبل نحو أربعة أشهر من الآن حصلوا على نحو 10 مليون صوت ، بينما حصدوا فى انتخابات الرئاسية الحالية على ما يقرب من 5,6 مليون صوت بنسبة 25% من إجمالي الأصوات الصحيحة .
2- تصاعد حجم الكتلة التصويتية لما يمكن أن نطلق عليهم رجال النظام السابق أو من يطلق عليهم اعلاميا بالفلول حيث بلغت نسبة حضورهم التصويتى فى انتخابات مجلس الشعب رقم لا يذكر تقريبا بينما ارتفع فى الرئاسة إلى 7.8 مليون صوت تقريبا ، و تقدم شفيق إلى المركز الثانى بفارق ضئيل عن د مرسى ( مئة الف صوت فقط لا غير ) حيث حصد تقريبا 5 مليون صوت بنسبة 24.3% .
3- تقدم شفيق فى محافظات تعتبر مراكز ثقل كبير للإخوان مثل الغربية و الدقهلية و السويس و الشرقية التى تعتبر مسقط رأس المرشح الإخوانى المتقدم فى الجولة الأولى د محمد مرسى ، فى حين تراجع هو إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة .
4- تراجع التيار القومى الليبرالى إلى المرتبة الثالثة و هى المرتبة التى استقر فيها حمدين صباحى بإجمالي 4.7 مليون صوت بنسبة 21% .
5- تراجع التيار الليبرالى المحافظ إلى المرتبة الرابعة احتل د. عبد المنعم أبو الفتوح المركز الرابع 3.9 مليون صوت بنسبة 17.4% .
ملاحظات على المناخ الإنتخابى
1- تعتبر العملية الإنتخابية فى مجملها تمت بنزاهة كبيرة و غير مسبوقة فى التاريخ المصرى الحديث ، رغم أن هناك بعض المخالفات الإنتخابية ، لكنها لا ترقى مطلقا إلى التأثير على نتائج الإنتخابات ، و كان الجيش و الشرطة على الحياد فى المجمل .
2- يلاحظ كذلك أن الذين كانت فرص الدعايا الإنتخابية كبيرة لهم كأبوالفتوح و حمدين صباحى حيث دخلوا السباق كمرشحين محتملين منذ أكثر 450 يوم هم الذين احتلوا المركزين الثالث و الرابع ، فى حين أن الذين دخلوه متأخرين حيث لم تزد حملتهم الإنتخابية عن 20 يوم ، هما اللذين تصدرا المركزين الأول و الثانى مرسى و شفيق .
3- أيضا من المشاهد أن أكثر مرشح تعرض لهجوم عنيف مركز من قبل معظم وسائل الإعلام - د محمد مرسى - هو الذى فاز بالجولة الأولى .
4- الكنيسة المصرية كان لها دور كبير فى تعبئة و حشد أنصارها لأحمد شفيق ، فى حين لم يتح للمساجد القيام بهذا الدور و من كان يحاول القيام بذلك من أنصار المرشحين أو حتى أئمة المسجد كان يقابل بمعارضة قوية من بعض المصلين .
5- فشل التيار السلفى المتمثل فى حزب النور و الدعوة السلفية فى الإسكندرية فى الحشد و التعبئة للمرشح المدعوم من قبلهما د أبوالفتوح .
6- يلاحظ كذلك أن فئة الشباب خاصة من ( 18 سنة ) إلى ( 24 سنة ) ذهبت بعيدا فى معظمها عن الإخوان المسلمين و التى تبلغ 20 مليون ناخب بعد اعتماد بطاقة الرقم القومى كإثبات للشخصية عند الإنتخاب .
7- الأصوات الصوفية ذهبت فى قطاع كبير منها إلى أحمد شفيق ، حيث بات واضحا أن مواطن تمركز الصوفيين مثل طنطا و دسوق كانت الأعلى تصويتيا لشفيق بشكل كبير .
8- لوحظ أيضا أن أعداد المصوتين من النساء فاق النسبة التصويتية للرجال و بدا ذلك واضح فى معظم اللجان الإنتخابية .
أمام هذه المشاهدات و الملاحظات على الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية نستطيع أن نستنبط ما يلى من نتائج و خطوات للعمل فى جولة الإعادة :
أولا : يعتبر تقدم د محمد مرسى على جميع منافسيه انجاز كبير رغم القصر الشديد للفترة الزمنية لحملته ، و الحشد الإعلامى الكبير ضده و ضد الإخوان ، كما لا يدع مجالا للشك حول قوة الماكينة الإنتخابية للإخوان و قدرتهم البارعة على الحشد و التعبئة و إدارة الحملة الإنتخابية .
ثانيا : نجاح أحمد شفيق فى الوصول إلى المرتبة الثانية يدل على عدة أمور منها أن دور الإعلام فى تغيير قناعات الناس و تعبئتهم ضد مرشح أو معه ، يعتبر دور فى غاية الأهمية ، فنجاح شفيق فى جزء كبير منه اعتمد على الآلة الإعلامية الضخمة التى يسيطر عليها رجال الحزب الوطنى السابقين و أضلع فى النظام الحالى .
فى حين لم ينجح الإسلاميون عموما خاصة الإخوان فى التصدى لحملة التعبئة ضدهم فلم يستطيعوا مقارعة الآلة الإعلامية الضخمة و التى لا يملكون منها شيئا يذكر ، و القليل الذى يملكونه منها بدا باهتا و وقورا أكثر مما ينبغى فى التعاطى مع الحدث .
ثالثا : تم توظيف عدم استقرار الأوضاع الأمنية و المعيشية لمعظم المواطنين لتكفير الناس بالثورة ، مما دفع عدد لا يستهان به للتصويت لمرشح النظام السابق أحمد شفيق .
رابعا : مع صعوبة عمليات التزوير المباشرة و الصريحة ، زادت قيمة الرشاوى الإنتخابية التى يستخدمها بعض المرشحين لشراء الأصوات ، مما يستدعى إنتباها أكثر فى التعامل مع هذه الجزئية ، فالعديد من المصريين البسطاء يعانون من حالة عوز كبير ، مما يجعلهم هدفا لهؤلاء .
آليات العمل فى المرحلة القادمة
أولا : يحتاج الإخوان إلى خطاب طمئنة مستمر و مركز لشرائح المجتمع المتخوفة من وصولهم للسلطة مثل الأقباط و الليبراليين و الصوفيين أو حتى صغار القواعد الحزبية المحسوبين على الحزب الوطنى او النظام السابق و الذين لم يشاركوا بشكل مباشر فى مظالم النظام السابق و كانوا منتفعين أكثر منهم فاسدين .
ثانيا : يجب على حملة د محمد مرسى أن تنتقل فى خطابها من الخطاب العقلانى القائم على عرض مشروع النهضة و المرجعية الإسلامية حيث أن اصوات هؤلاء الذين يصلح معهم هذا النوع من الخطاب تعد محسومة و مضمونة بإذن الله .
فى حين يبقى الخطاب العاطفى فى التعامل مع الجماهير هى الأكثر إلحاحا فى جولة الإعادة ، فالرهان على أصوات النساء و الشباب لا يتأتى بدون خطاب عاطفى ثورى ، فهذا وحده الكفيل بإستقطاب أصواتهم إليه .
ثالثا : يجب على الإخوان أن يبحثوا بشكل جدى عن وسائل قياس لإتجاهات الرأى العام لا تعتمد على العنصر الإخوانى و لكن على جهة محايدة محترفة تجيد نقل الواقع المجتمعى واتجاهاته للجماعة و الحزب بشكل جيد ، يساعد على اتخاذ القرار بشكل فعال وناجح .
رابعا : وجوب التمايز بين الجماعة و الحزب سياسيا أصبح ضرورة حال ، فاستغراق الجماعة فى التفاصيل السياسية اليومية جعل مواقفها أكثر عرضه للنقد ، مع تزايد احتمالية حدوث أخطاء فى وقت هناك الكثيريين الذين يجيدون تصيد هذه الأخطاء و تضخيمها .
لذلك من الواجب فى هذه المرحلة أن تنأى الجماعة بنفسها عن الشأن السياسى اليومى ، و تترك لزراعها السياسى المتمثل فى حزب الحرية و العدالة الإستغراق فى هذه التفاصيل ، و لن يقتنع المواطن إلا إذا أحس بتمايز فى المواقف بين الحزب و الجماعة ، و أقصد هنا التمايز فى القضايا الثانوية و ليس فى القضايا الإستراتيجية التى بطبيعة االحال تقتضى التوحد و التضامن فى الموقف بين الحزب و الجماعة ، و إذا لم يحدث هذا ستخسر الجماعة كثير ا من قوتها التصويتية ليس لخلل فى بنيتها الفكرية او المرجعية أو القيمية ، و لكن لإنشغالها بالمواقف السياسة اليومية التى قلما يتفق عليها أحد .
خامسا : يجب كذلك استخدام لغة خطاب تصالحية قادرة على الإعتراف بالخطأ إن وجد، و حتى إن لم يوجد !!، كيف ؟ فى جولة الإعادة لا يوجد وقت لتفسير المواقف أو حتى تبريرها فهذا سيستهلك جهد كبير مع نتيجة ضعيفة ، أمّا محاولة طمئنة المواطنين و الإعتذار عن مواقفها قد يراه المواطن خطأ و يراها الإخوان صوابا ، فسوف يقرب المسافات و يهدأ النفوس ، لكن هذا كله شريطة أن يكون الإعتذار عن المواقف التكتيكية أما المواقف الأساسية و الكبرى فلا يمكن لأحد أن يعتذر عنها ما دام صاحبها مقتنعا بصوابها .
سادسا : على الدكتور محمد مرسى ألا يتورط فى أحاديثه الإعلامية فى وعود لا يستطيع الوفاء بها أو أنه ليس وحده صاحب القرار فيها ، فمعظم ما يستخدمه الإعلام حاليا ضد الإخوان هى فى الإدعاء بأن الإخوان لا يوفّوا بوعودهم ، رغم رفضهم لهذه التهمة جملة و تفصيلا .
سابعا : يجب عدم المراهنة على غالبية النخب السياسية بأى حال من الأحوال ، من أعلن دعمه منهم للدكتور مرسى فمشكور و من ماطل أو امتنع أو عارض فتوفير الوقت معه افضل ، لذلك يجب أن يكون الرهان على الصوت الإسلامى و الوطنى الحقيقى و لا شىء سواه .
ثامنا : فضح الخصم و تعريته ، مهم للغاية فى هذه المرحلة ، فالتمايز بين الرجلين و المشروعين من الأهمية بمكان حتى تصبح الحقائق واضحة أمام الجميع ، و يعرف كل مواطن مدى الخطورة الشديدة التى تقع على عاتقه أثناء التصويت للوطن أو ضده .
تاسعا : التصويت العقابى لشرائح من المجتمع ضد الإخوان أو المرشحين الإسلاميين، يقتضى التوقف أمامه و محاولة تداركه عبر تحقيق منجز سريع على الأرض مما يخدم مصالح الناس المباشرة فهذا وحده كفيل بالتقليل من حدة التصويت العقابى ، كما يجب الترويج الجيد للاداء البرلمانى الذى يعمل الإعلام على تشويه و تهميشه .
فى النهاية علينا أن ندرك أن جولة الإعادة أىا كان إختيارنا فيها ، سوف تقلب موازين مصر رأسا على عقب سواء للأفضل كما يراه البعض ، أو للأسوء كما يراه آخرون ، لذلك على كل منا أن يجعل ضميره فى أعلى حالات اليقظة أثناء الإختيار .
* رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية

