في واقعة نادرة الحدوث تعكس حجم التوتر المكتوم بين الحليفين الخليجيين، فجر الأكاديمي الإماراتي المقرب من دوائر صنع القرار، عبد الخالق عبد الله، قنبلة سياسية عبر منصة "إكس"، حينما هاجم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بعبارات غير مسبوقة، واصفاً تحركاته الأخيرة بـ "الجنون"، قبل أن يضطر لحذف التغريدة وتقديم اعتذار "مرتبك" تحت وطأة ضغوط هائلة.

 

الأزمة بدأت حينما علق "عبد الله" – الذي يُنظر إليه عادة كمتحدث غير رسمي باسم السياسات الإماراتية – على التحركات السعودية الأخيرة في حضرموت وتلويح التحالف بعمل عسكري ضد المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم إماراتياً). تغريدة الأكاديمي الإماراتي لم تكن مجرد نقد عابر، بل حملت سخرية لاذعة وتحدياً مباشراً للرياض، حينما قال إن "تهديد قائد التحالف العربي الذي انتهى عملياً منذ 2019 بعمل عسكري ضد الجنوب العربي جنون"، مطالباً السعودية بلهجة تهكمية: "حرر صنعاء أولاً يا بطل".

 

الهروب إلى الوراء: الحذف والاعتذار "الدبلوماسي"

 

سرعان ما تحولت التغريدة إلى ساحة معركة إلكترونية، حيث شن مغردون ونشطاء سعوديون هجوماً كاسحاً على الأكاديمي الإماراتي، معتبرين حديثه تطاولاً على المملكة وقيادتها. وأمام هذا الضغط، قام عبد الخالق عبد الله بحذف التغريدة، ونشر توضيحاً حاول فيه احتواء الموقف، زاعماً أن ما كتبه كان "رأياً شخصياً" ولا يمثل الموقف الرسمي للإمارات.

 

وقال في تبريره: "التغريدة المليونية أمس التي مسحتها قبل قليل، تعبّر عن رأي شخصي ولا علاقة لها بموقف إماراتي رسمي، ولا تقصد الاساءة لأشقاء كرام في السعودية"، مؤكداً على عمق العلاقات والتنسيق المستمر في الملف اليمني، في محاولة لغسل يده من وصف "الجنون" الذي أطلقه سابقاً.

 

 

الناشط الحقوقي ياسين أحمد قرأ هذا التراجع باعتباره دليلاً على تخبط ناتج عن "ضغط عربي وعالمي رهيب" أفقد الأكاديمي توازنه، مشيراً إلى أن القادم قد يحمل مفاجآت أكبر في العلاقة بين الطرفين.

 

 

دلالات "الضوء الأخضر": هل هي رسالة من أبوظبي للرياض؟

 

ويرى مراقبون أن تغريدات عبد الخالق عبد الله لا يمكن فصلها عن السياق الرسمي، فهو لا يغرد خارج السرب الإماراتي إلا بإيعاز. وفي هذا السياق، اعتبر الدكتور مراد علي أن التطاول على وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان هو "تطور خطير"، مشيراً إلى أن عبد الخالق بصفته مستشاراً لرئيس الإمارات لا يمكنه كتابة مثل هذا الكلام دون "ضوء أخضر".

 

وأوضح "علي" أن الأمير خالد ليس مجرد وزير، بل هو شقيق ولي العهد وموضع ثقته، مما يعني أن الهوة تتسع بين الرياض وأبوظبي، ليس فقط في اليمن، بل تمتد لملفات تقسيم الصومال ودعم إسرائيل.

 

 

وفي تحليل استراتيجي أعمق، ربط الدكتور مراد علي بين الواقعة وبين ما كتبه عبد الخالق عبد الله عام 2021 عن زوال التحالفات القديمة وتأسيس محاور جديدة قائمة على "الاتفاق الإبراهيمي". وأشار إلى ظهور محور إماراتي-إسرائيلي بوضوح في السودان، اليمن، الصومال، وإثيوبيا، وهو ما يهدد الأمن القومي المصري والعربي، في مقابل محور سني تقليدي تحاول السعودية قيادته مع تركيا وقطر. وتساءل علي عن موقع مصر من هذه المعادلة، محذراً من أن التردد المصري في حسم خياراته قد يضر بمصالح القاهرة الحيوية في النيل والبحر الأحمر.
 

 

وهو ما أكده أيضاً الدكتور سام يوسف، الذي رأى أن الاعتذار جاء بأوامر عليا من أبوظبي بعد أن "تحقق الهدف" وتم إيصال رسالة الإنذار والتهديد لولي العهد السعودي علناً.

 

 

عاصفة من السخرية والغضب: دماء اليمنيين تلاحق الجميع

 

لم يمر التراجع مرور الكرام، بل قوبل بموجة سخرية وغضب يمني وعربي. الشاعر اليمني محمد عبدالله السمري شن هجوماً عنيفاً، مؤكداً أن الانسحاب من التغريدة لن يمحو أثر الدماء التي سالت والمدن التي دمرت بسبب "تهور" السياسات الإماراتية، مخاطباً الأكاديمي الإماراتي بأن "دماء الشعوب ستبقى في رقابكم".
 

 

من جانبها، سخرت الإعلامية ميادة المصري من سرعة التراجع، مشيرة إلى التناقض الفج في وصف الأمير خالد بـ "المجنون" ثم العودة للاعتذار.

 

 

كما طرح سالم النهدي تساؤلاً منطقياً حول تناقضات الخطاب الإماراتي، فكيف يُوصف التحالف بأنه "منتهٍ ولا شرعية له" بينما كانت القوات الإماراتية في عدن قبل أيام لتنسيق خروج الانتقالي؟ وهو ما يكشف عن حجم الارتباك في إدارة الملف اليمني بين الحليفين اللدودين.