في ظل مشهد اقتصادي عبثي تديره حكومة الانقلاب بمنطق "الجباية" لا التنمية، يواجه قطاع الأجهزة الكهربائية والمنزلية في مصر "موتاً سريرياً". الأزمة لم تعد مجرد ركود عابر، بل هي نتيجة حتمية لسياسات نقدية وإدارية فاشلة وضعت المصنعين والمستهلكين بين فكي كماشة: تكاليف إنتاج جنونية أشعلتها رسوم الدولة وانهيار العملة من جهة، ومواطن مسحوق لم يعد يملك ترف شراء "غسالة" أو "ثلاجة" من جهة أخرى. الأسواق التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى مخازن مكدسة بالبضائع، بينما المصانع تخفض طاقتها الإنتاجية وتسرّح عمالتها في صمت، لترسم صورة قاتمة لما آلت إليه "الجمهورية الجديدة" من خراب صناعي.

 

الأرقام لا تكذب، فالتراجع في المبيعات تجاوز حاجز الـ 40%، وهو انهيار غير مسبوق يكشف زيف التصريحات الرسمية عن "التعافي". محاولات الشركات لخفض الأسعار بنسب ضئيلة (5-20%) لم تكن سوى "قبلة حياة" لميت؛ فالقدرة الشرائية للمصريين تبخرت مع موجات التضخم المتتالية التي أكلت الأخضر واليابس. وبينما يبحث النظام عن قروض جديدة لسداد فوائد الديون، يدفع قطاع الصناعة الوطنية الثمن باهظاً، محاصراً بين رسوم وقائية على الصاج وارتفاع أسعار النحاس عالمياً، ليصبح خيار "الإغلاق" أقرب من خيار "الاستمرار".

 

"الجباية" الحكومية وخنق الإنتاج المحلي

 

يرى المهندس حسن مبروك، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية باتحاد الصناعات المصرية، أن الحكومة تمارس سياسة "خنق" ممنهج للمصانع عبر فرض رسوم غير منطقية. ويؤكد مبروك أن قرار وزارة الاستثمار بفرض رسوم وقائية على واردات "الصاج" –وهو عصب صناعة الأجهزة– رفع تكلفة الإنتاج بنسبة لا تقل عن 6%، في وقت ارتفعت فيه أسعار النحاس عالمياً بنسبة 36%.

 

هذه السياسات "الجباية" وضعت المصنعين في مأزق وجودي؛ فهم لا يستطيعون رفع الأسعار لأن السوق ميت، ولا يستطيعون تحمل الخسائر لأن هوامش الربح باتت شبه معدومة. ويضيف مبروك بلهجة تحذيرية: "نحن لا نرفع الأسعار للربح، بل لنبقى على قيد الحياة، وقد اضطررنا لخفض الإنتاج بنسبة 25% لتجنب الإفلاس وتكدس المخازن"، محملاً الحكومة مسؤولية هذا الانهيار نتيجة قراراتها العشوائية التي تفتقر لأبسط قواعد المنطق الاقتصادي.

 

انهيار القدرة الشرائية وعودة "عصر الإصلاح"

 

من جانبه، يفضح المهندس جورج سدرة، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية بغرفة الجيزة التجارية، الواقع المؤلم للمواطن المصري تحت حكم العسكر. يؤكد سدرة أن السوق يعاني من "تشبع وهمي" ناتج عن فقر مدقع؛ فالأسر التي اشترت الأجهزة بجنون في 2023 كانت تهرب من تآكل قيمة أموالها، أما الآن، فقد نفدت المدخرات.

 

ويشير سدرة إلى أن تراجع المبيعات بنسبة 40% يعكس حقيقة أن الأسعار الحالية "فلكية" مقارنة بمتوسط الدخل الذي سحقته سياسات البنك المركزي والتعويم المستمر. ويرى سدرة أن طرح شهادات ادخار بعائد 27% كان بمثابة "سحب للسيولة" من جيوب المواطنين لتغطية عجز الموازنة، مما قضى على القوة الشرائية تماماً وحول الأسواق إلى "خرابات" مهجورة من الزبائن.

 

وفي سياق متصل، يرسم المهندس أشرف هلال، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية، صورة أكثر قتامة، مؤكداً أن المواطن المصري عاد لعصور ما قبل الرفاهية. يقول هلال: "المستهلك العادي بات يؤجل قرارات الشراء تماماً، ولجأ إلى إصلاح الأجهزة القديمة المتهالكة بدلاً من شراء الجديد، وهو سلوك اضطراري يعكس حالة الفقر". ويضيف هلال أن الركود الحالي "غير مسبوق" وتسبب في خسائر فادحة للتجار الذين أصبحوا غير قادرين على سداد التزاماتهم، مشدداً على أن استمرار الوضع الحالي يعني موجة إفلاسات واسعة في صفوف صغار التجار الذين لا يملكون ملاءة مالية لمواجهة هذا الطوفان من الكساد.

 

بيروقراطية الاستيراد وصناعة "السوق السوداء"

 

يكمل أضلاع الكارثة فتحي الطحاوي، نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية، الذي يشن هجوماً حاداً على البيروقراطية الحكومية وقيود الاستيراد. يؤكد الطحاوي أن تعقيدات "الاعتمادات المستندية" وتأخر الإفراجات الجمركية تسببت في نقص حاد لبعض المكونات، مما خلق "سوقاً سوداء" للمواد الخام وقطع الغيار. ويرى الطحاوي أن الحكومة تتحدث عن "توطين الصناعة" في الإعلام فقط، بينما على أرض الواقع تضع العراقيل أمام المستوردين والمصنعين على حد سواء.

 

ويشير إلى أن الأسعار الجنونية الحالية هي نتاج طبيعي لسياسة "تعطيش السوق" ورفع تكلفة التدبير الدولاري، مما جعل المنتج النهائي "حلم بعيد المنال" للمواطن البسيط، وحول الأجهزة المنزلية من سلع ضرورية إلى سلع "رفاهية" للأثرياء فقط.

 

إن هذا الإجماع من الخبراء والمسؤولين في القطاع يكشف أن الأزمة ليست "عالمية" كما يروج إعلام النظام، بل هي أزمة "إدارة وفشل" بامتياز. فحكومة الانقلاب التي تفرض الرسوم على "الصاج" وتترك العملة تنهار، هي التي أغلقت المصانع وشردت العمال وحرمت المواطن من حقه في حياة كريمة، ليبقى قطاع الأجهزة الكهربائية شاهداً حياً على فشل اقتصادي يدفع ثمنه الجميع.