عادت الاحتجاجات العمالية لتفرض حضورها داخل شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالقاهرة، بعد توقف لم يدم سوى أسبوعين فقط، لتفتح صفحة جديدة من التوتر بين آلاف العمال وإدارة الشركة، وذلك عقب تنظيمهم وقفة احتجاجية جديدة، في شبكة مياه الحي العاشر.

 

وبحسب شهادات العديد من المشاركين، فإن المشهد مرشح لمزيد من التصعيد خلال الأيام المقبلة، في ظل ما وصفوه بـ“تجاهل الإدارة” لمطالبهم المتكررة، وغياب أي خطوات عملية لتنفيذ الاتفاقات السابقة.

 

عودة الغضب إلى الشارع العمالي

 

مصدران من داخل الاحتجاجات أكدا أن عودة التصعيد لم تكن مفاجئة، بل جاءت وفق ما وصفه العمال بأنه “نتيجة طبيعية” لاستمرار التجاهل من قبل إدارات "مياه القاهرة" و"القابضة".

 

ويعبّر العمال عن استيائهم من غياب جدول زمني واضح لتنفيذ المطالب، التي انتزعوا وعودًا بها خلال الجولة الماضية من الاحتجاجات، معتبرين أن الإدارة تتعمد اتباع “سياسة المماطلة والتسويف”.

 

أحد العمال قال بمرارة إن تجاهل الإدارة يعكس “انعدام الشعور بمعاناة آلاف العاملين”، مضيفًا: “بعد 20 سنة شغل.. إيه اللي يعملوا 6000 أو 7000 جنيه؟ نصرف منين؟ أغلبنا غرقان في الديون، ومديرين بياخدوا 50 ألف، والمستشارين 100 و150 ألف!”.

 

مطالب قديمة تتجدد: حقوق مالية ووظيفية مؤجلة منذ سنوات

 

ورغم تعليق الاحتجاجات في 24 نوفمبر الماضي لإعطاء الفرصة للإدارة، فإن العمال عادوا اليوم للمطالبة بالقائمة نفسها من الحقوق، وعلى رأسها:

  • ضم العلاوات المتأخرة منذ عام 2016
  • صرف فروق الضرائب
  • تثبيت العمالة المؤقتة
  • تسوية المؤهلات الدراسية
  • إقالة قيادات يتهمها العمال بالفساد

 

وظهر المحتجون في فيديوهات تداولتها مجموعات العمال وهم يتلون مطالبهم، ويوجهون نداءً صريحًا لرئيس الجمهورية للتدخل، مصحوبًا بهتافات: “عايزين حقوقنا… العلاوات العلاوات”.

 

تصعيد مرتقب في مواقع أخرى

 

عامل آخر رجّح أن تشهد الأسابيع المقبلة اتساع رقعة الاحتجاجات، لتشمل مواقع جديدة داخل القاهرة وربما خارجها، خاصة إذا بقيت الإدارات دون تحرك فعلي لتنفيذ وعودها. واعتبر العامل أن وقفة اليوم “رسالة واضحة بأن استمرار التجاهل سيقابل بمزيد من التصعيد”.

 

احتجاجات الشهر الماضي: تحركات غير مسبوقة داخل الشركة

 

كانت الشركة قد شهدت خلال الشهر الماضي واحدة من أبرز موجات الاحتجاج العمالي، شملت تظاهرات ووقفات متزامنة في عشرات المحطات والشبكات والفروع، وامتدت إلى محافظات الجيزة والشرقية وبني سويف والمنيا. واستمرت تلك الاحتجاجات لمدة 13 يومًا، قبل تعليقها مؤقتًا انتظارًا لتدخل رسمي لم يحدث حتى اليوم.

 

وبحسب العمال، فإن تلك الموجة كشفت حجم الغضب المتراكم، خصوصًا بعد تجاهل تطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل عادل وفق التدرج الوظيفي، إلى جانب استمرار الخلافات حول العلاوات المتأخرة، واتهامات فساد موجّهة لمسؤولين داخل الشركة، بينهم نائب رئيس مجلس الإدارة للشؤون المالية والإدارية علي عماشة.

 

احتجاجات مماثلة في الإسكندرية والقليوبية: الأزمة تمتد لقطاع المياه

 

الاضطرابات لم تقتصر على القاهرة فقط، بل شهدت محافظات أخرى موجات احتجاج مشابهة خلال الأشهر الماضية. ففي يوليو الماضي، نظم عمال شركة مياه الإسكندرية وقفات واعتصامات داخل محطات تنقية المياه وفروع خدمة العملاء، للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة منذ 2016، وصرفها بأثر رجعي.

 

كما شهدت القليوبية في مارس الماضي احتجاجات واسعة نفذها محصلو الفواتير وقارئو العدادات بنظام العمولة، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وإبرام عقود عمل شاملة، وهو ما يعكس تزايد الاحتقان داخل قطاع مياه الشرب والصرف الصحي على مستوى الجمهورية.

 

صورة مستقبلية مبهمة

 

في ظل استمرار تجاهل المطالب، يرى العمال أن التصعيد بات خيارًا لا رجعة عنه، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الديون الشخصية للعاملين، وغياب العدالة في توزيع الرواتب داخل الشركة. وبينما تتمسك الإدارة بالصمت، يستعد العمال لجولة جديدة من الاحتجاجات قد تتحول إلى سلسلة طويلة من التحركات العمالية، ما لم يجرِ احتواء الأزمة بشكل جذري.

 

وتبدو الأسابيع المقبلة حاسمة، ليس فقط لمستقبل الأزمة داخل "مياه القاهرة"، بل لقطاع المياه بأكمله، الذي يشهد منذ أشهر غليانًا اجتماعيًا يعكس ضغوطًا معيشية غير مسبوقة على العاملين به.