في تصعيد خطير يعيد رسم خريطة التحالفات في أمريكا اللاتينية، وجه الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو تحذيراً نارياً لنظيره الأمريكي دونالد ترامب، مهدداً بـ"إيقاظ النمر" إذا استمر في تلويحه بتنفيذ ضربات عسكرية على الأراضي الكولومبية تحت ذريعة مكافحة المخدرات.
هذا الصدام الدبلوماسي، الذي وصل إلى حافة المواجهة، لا يكشف فقط عن جنون العظمة الذي يحكم سياسة ترامب الخارجية، بل يفضح أيضاً كيف يتم استخدام "الحرب على المخدرات" كغطاء لتصفية حسابات سياسية مع قادة يرفضون السير في الركب الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بموقفهم من العدوان على غزة.
"سنضرب قريباً".. منطق العصابات في البيت الأبيض
لم يترك ترامب مجالاً للشك في نواياه العدوانية. ففي اجتماع حكومي، الثلاثاء، أعلن أن الضربات العسكرية داخل فنزويلا "ستبدأ قريباً جداً"، قبل أن يوسع دائرة التهديد لتشمل أي دولة يعتقد أنها تنتج المخدرات، موجهاً اتهاماً صريحاً لكولومبيا، الحليف التاريخي لواشنطن.
وبمنطق أقرب إلى زعماء العصابات منه إلى رؤساء الدول، قال ترامب: "نعرف أين يعيش الأشرار، وسنبدأ ذلك قريباً جداً". هذا الخطاب لا يمثل فقط انتهاكاً لسيادة الدول، بل هو إعلان صريح بأن الإدارة الأمريكية مستعدة لاستخدام القوة العسكرية المباشرة ضد حلفائها لمجرد الشك أو لفرض رؤيتها.
"لا تعبثوا بنا".. بيترو يقلب الطاولة على ترامب
الرد الكولومبي جاء سريعاً وحاسماً. الرئيس غوستافو بيترو، أول رئيس يساري ومقاتل سابق، لم يتردد في مواجهة الغطرسة الأمريكية. عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبر تهديدات ترامب "إعلان حرب"، ودعاه إلى عدم العبث بإرث دبلوماسي يمتد لمئتي عام.
وفي خطوة ذكية فضحت جهل ترامب بالواقع على الأرض، دعاه بيترو لزيارة كولومبيا قائلاً: "تعال معي وسأريك كيف ندمر مختبراً (لإنتاج المخدرات) كل 40 دقيقة". بهذا الرد، لم يدافع بيترو عن سيادة بلاده فحسب، بل نزع الشرعية عن ذريعة ترامب، وكشف أن التهديدات الأمريكية لا تستند إلى وقائع، بل إلى أجندة سياسية مبيتة.
ازدواجية صارخة.. عفو عن مهرب وتهمة لرئيس
تزداد مسرحية ترامب سخافة حين نضعها في سياق قراراته الأخيرة. ففي الوقت الذي يهدد فيه بضرب كولومبيا، كان قد أطلق سراح رئيس هندوراس السابق، خوان أورلاندو هيرنانديز، الذي أدين في المحاكم الأمريكية نفسها بتهريب أطنان من الكوكايين وإنشاء "طريق سريع للمخدرات".
برر ترامب عفوه بأن التحقيق كان "حملة اضطهاد"، ثم أطلق عبارته التي تكشف كل شيء: "إذا كان هناك تجار مخدرات في بلدك، فهذا لا يجعل من الرئيس مجرماً". هذه الازدواجية الفاضحة تؤكد أن "المخدرات" ليست سوى ورقة ضغط تُستخدم لمعاقبة الأعداء السياسيين ومكافأة العملاء، بغض النظر عن جرائمهم الحقيقية.
هل هو الكوكايين أم غزة؟.. خلفية المواجهة الحقيقية
لم يبدأ التوتر اليوم. فالعلاقات بين ترامب وبيترو متصدعة منذ رفض الأخير استقبال طائرات الترحيل، وبلغت ذروتها حين انضم بيترو لاحتجاج مؤيد لفلسطين في نيويورك، ودعا الجنود الأمريكيين لعصيان أوامر ترامب "التي تعتدي على الإنسانية". رد واشنطن كان إلغاء تأشيرة الرئيس الكولومبي واتهامه بأنه "تاجر مخدرات".
من الواضح إذن أن اتهامات المخدرات هي مجرد ستار دخان لمعاقبة رئيس تجرأ على الخروج عن النص الأمريكي، وانتقد علناً الدعم المطلق لإسرائيل. ما نشهده ليس حرباً على المخدرات، بل مواجهة بين إدارة أمريكية متغطرسة ترى في حلفائها مجرد أتباع، وبين زعيم لاتيني يرفض أن تكون بلاده الفناء الخلفي لواشنطن، ويدفع اليوم ثمن موقفه المبدئي من فلسطين.

