إلغاء جولة الإعادة اليوم في عدد من دوائر المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025 لم يكن قرارًا إداريًا عابرًا، بل نتيجة مباشرة لأكبر موجة بطلان انتخابي في تاريخ برلمان السيسي، بعدما أُلغيت النتائج في 47 دائرة من أصل 70 دائرة بالمرحلة الأولى، أي نحو 68% من المقاعد الفردية. هذه الفضيحة تُسقط ما تبقى من غطاء “الشرعية الانتخابية” عن برلمان الطراطير، وتفتح الباب أمام أسئلة قاسية حول مستقبل اللعبة السياسية برمتها تحت حكم الانقلاب.
أرقام الفضيحة: 47 دائرة و5 محافظات ساقطة بالكامل
المحكمة الإدارية العليا أبطلت نتائج انتخابات مجلس النواب في 28 دائرة دفعة واحدة، لتُضاف إلى 19 دائرة كانت الهيئة الوطنية للانتخابات نفسها قد ألغت نتائجها سابقًا بعد موجة طعون ومخالفات جسيمة، فيرتفع العدد الإجمالي للدوائر الملغاة إلى 47 من أصل 70 دائرة فردية في المرحلة الأولى. تقارير صحفية أشارت إلى أن خمس محافظات سقطت نتائجها بالكامل تقريبًا في هذه المرحلة هي سوهاج، الوادي الجديد، أسيوط، قنا، والأقصر، بينما طالت قرارات الإبطال أغلب دوائر المنيا والجيزة والفيوم والبحيرة.
قوائم بالأسماء نشرتها منصات محلية أوضحت أن الدوائر الملغاة شملت دوائر رئيسية مثل المنتزه في الإسكندرية، وأكتوبر والأهرام والجيزة والعمرانية والبدرشين في الجيزة، وعددًا كبيرًا من دوائر البحيرة والمنيا والصعيد، ما يعني عمليًا أن خريطة الإعادة التي كان يفترض تنظيمها أوائل ديسمبر تهاوت بالكامل، فتم إلغاء الإعادة في هذه الدوائر إلى حين إعادة فتح باب الترشح والتصويت من الصفر.
لماذا أُلغيت الإعادة اليوم؟
قانونًا، لا يمكن إجراء جولة إعادة على نتائج جرى بطلانها بحكم قضائي أو قرار إداري، ولهذا توقفت الإعادة في الدوائر التي شملتها أحكام الإبطال أو قرارات الهيئة؛ لأن الأساس الذي تُبنى عليه الإعادة (نتيجة الجولة الأولى) لم يعد قائمًا. المحكمة الإدارية العليا حمّلت في حيثياتها الهيئة الوطنية للانتخابات مسؤولية “مخالفات جوهرية” شملت أخطاء جسيمة في رصد الأصوات، ومنع مندوبي المرشحين من الحصول على محاضر الفرز، وتضارب الأرقام بين اللجان الفرعية والعامة.
خبير تحليل البيانات رشاد حامد أوضح في قراءة إحصائية أن إلغاء الانتخابات في 48 دائرة تقريبًا من أصل 70 في المرحلة الأولى – بين قرارات الهيئة وأحكام القضاء – يجعل نسبة الإلغاء نحو 68%، واصفًا انتخابات 2025 بأنها “الأكثر إثارة للجدل” في التاريخ المصري الحديث. هذه الأرقام وحدها كافية لتجعل أي حديث رسمي عن “نزاهة كاملة” أو “ثقة في الإدارة المدنية للعملية الانتخابية” مجرد سخرية سوداء.
معارضون: ما يجري ليس تصحيحًا بل اعتراف بفشل المنظومة
رئيس حزب غد الثورة أيمن نور يرى في حوار حديث أن ما حدث ليس مجرد طعون عادية، بل “سابقة تستوجب وقف هذه الانتخابات بنظامها الحالي بالكامل، ووضع نظام انتخابي جديد وإجراء انتخابات عامة من البداية”. نور يؤكد أن الدستور يتيح بدائل لتجنب فراغ تشريعي، وأن الإصرار على استكمال هذه العملية المشوّهة لا يخدم إلا استمرار برلمان تابع للسلطة التنفيذية.
المرشح الرئاسي السابق والمحامي خالد علي حذّر في تصريحات صحفية من أن أخطر ما في المشهد هو توظيف القضاء لإدارة أزمة التزوير بدل محاسبة المسؤولين عنه، مشيرًا إلى أن أحكام الإبطال تكشف حجم الانتهاكات لكنها لا تمسّ البنية التي سمحت بها؛ من قانون انتخابي مفصّل على مقاس تحالف السلطة إلى هيئة انتخابات معينة بالكامل من رئيس الجمهورية نفسه.
أزمة شرعية تضرب “الجمهورية الجديدة”
تقرير لبي بي سي العربية قدّر أن إبطال نتائج ما يقرب من ثلثي دوائر المرحلة الأولى يضع العملية الانتخابية أمام “ضربة قوية لمصداقيتها”، خاصة مع اعتراف المحكمة بوجود خروق جوهرية أثرت على نزاهة التصويت، ومع استمرار قيود قاسية على الترشح والحملة وغياب أي معارضة حقيقية داخل السباق. مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت كان قد وصف المناخ الانتخابي في استحقاقات سابقة بأنه “مناخ يمنع أي منافسة جدية، ويستخدم الدولة والأمن لسد الباب أمام أي مرشح حقيقي”، وهو توصيف ينطبق حرفيًا على مشهد برلمان 2025 بعد فضيحة الإلغاء الجماعي.
من جهته، يرى أيمن نور أن استمرار هذه الانتخابات بعد هذه النسبة من الإبطال سيُنتج “أحد أقصر البرلمانات عمرًا”، لأن البرلمان الذي يخرج من رحم أزمة بهذا الحجم سيكون مهددًا دائمًا بالطعن في شرعيته داخليًا وخارجيًا. حزب غد الثورة بدوره دعا صراحة إلى إلغاء العملية الانتخابية بمرحلتيها، معتبرًا أنها لم تعكس إرادة المصريين ولا الحد الأدنى من النزاهة المطلوبة، وطالب بالعودة إلى نظام انتخابي يضمن تمثيلًا نسبيًا حقيقيًا للقوى السياسية.
تأثيرات على الشارع والنظام
تقارير إعلامية رصدت ارتباكًا واسعًا بين الناخبين في المحافظات التي ألغيت فيها النتائج، حيث يضطر المواطنون إلى الاستعداد لجولة جديدة من التسجيل والتصويت بعد أن قيل لهم إن الإعادة اليوم لن تُجرى في دوائرهم بسبب بطلان النتائج. هذا العبث يعمّق شعور الناس بأن أصواتهم تُلقى في القمامة بقرار من هيئة تابعة وقضاء مسيّس، ويغذي القناعة بأن اللعبة الانتخابية برمتها مجرد ستار رقيق فوق حُكم أمني عاري.
في المقابل، يمنح هذا الانهيار فرصة ذهبية للمعارضة الحقيقية كي توحّد خطابها حول مطلب واضح: لا شرعية لبرلمان يُبنى على انتخابات أُبطلت في 68% من دوائره، ولا معنى لأي مشاركة سياسية في ظل قوانين قمعية وإجراءات جنائية كارثية وهيئة انتخابات تعمل كإدارة تابعة لقصر السيسي لا كحارس لصوت الناخب.

