في حلقة جديدة من مسلسل الفشل الحكومي المتكرر، تواجه مصر كارثة بيطرية غير مسبوقة، حيث ضربت سلالة جديدة من مرض "الحمى القلاعية" تُعرف بـ (SAT1) الثروة الحيوانية في مقتل، لتدق ناقوس الخطر حول مستقبل الأمن الغذائي في البلاد.
وبينما يكتفي مسؤولو "حكومة الانقلاب" بالتصريحات الوردية عن "السيطرة" و"التحصين"، يكشف الواقع الميداني عن كارثة تتمدد بصمت في القرى والنجوع، مخلفةً وراءها خسائر فادحة لصغار المربين الذين يمثلون العمود الفقري للثروة الحيوانية، والذين تُركوا فريسة للإهمال وغياب الرؤية الاستباقية.
"SAT1".. الضيف الثقيل الذي فضح هشاشة النظام
لأول مرة في تاريخ مصر، تسجل المنظمات الدولية (وعلى رأسها المنظمة العالمية لصحة الحيوان) ظهور العترة (SAT1)، وهي سلالة لم تكن متوطنة من قبل، لتضاف إلى قائمة الأوبئة التي فشلت الحكومة في صدها.
التقارير الدولية تشير بأصابع الاتهام إلى "تراخي الرقابة" على المنافذ الحدودية، فالمرض لم يهبط من السماء، بل تسلل عبر حيوانات مستوردة من دول موبوءة، في ظل غياب تدابير الحجر الصحي الصارمة التي تتغنى بها وزارة الزراعة. هذا الاختراق الوبائي يؤكد أن منظومة "الأمن الحيوي" في مصر ليست سوى حبر على ورق، وأن الحكومة التي تنفق الملايين على مشروعات وهمية، عجزت عن توفير "مصدات" حقيقية تحمي قوت الغلابة ومصدر رزقهم الوحيد.
وزارة الزراعة: إنكار الكارثة.. استراتيجية الفاشل
على الرغم من اعتراف المنظمات الدولية بأن مصدر العدوى في البحيرة لا يزال "مجهولاً"، سارعت وزارة الزراعة إلى ممارسة هوايتها المفضلة في "تجميل القبح". فبينما تتحدث الوزارة عن "إصابات طفيفة" و"سيطرة تامة"، تكذب الوقائع هذه الادعاءات، حيث رصدت تقارير إعلامية 16 بؤرة عدوى انتشرت كالنار في الهشيم في مختلف المحافظات.
تصريحات وزير الزراعة علاء فاروق حول أن "الخسائر طفيفة" وأن "التحصين آمن 80% من الثروة"، هي استخفاف بعقول المربين الذين يشاهدون مواشيهم تنفق أمام أعينهم. فكيف تكون السيطرة تامة والمزارع البسيط في البحيرة يصرخ: "لو ماتت البهيمة هيتخرب بيتي"؟. هذا الانفصال عن الواقع يعكس عقلية نظام لا يعترف بالأزمة إلا بعد وقوع الفأس في الرأس.
منظومة التحصين.. "شو إعلامي" لا يصل للغلابة
فضحت الأزمة هشاشة منظومة التحصين والتوعية. فالمزارعون البسطاء، الذين يملكون 80% من الثروة الحيوانية، يؤكدون أن حملات التحصين غائبة أو تأتي "بالصدفة" ودون إعلان مسبق. بينما تذهب الخدمات البيطرية الحقيقية لأصحاب المزارع الكبيرة ورجال الأعمال، يُترك الفلاح الصغير يواجه مصيره وحيداً.
حديث الوزير عن "التعويضات" و"التأمين" ليس إلا ذراً للرماد في العيون، فمعظم صغار المربين خارج هذه المنظومة البيروقراطية المعقدة، ولا يعرفون عنها شيئاً. إن تحميل المزارع مسؤولية "تأخر التحصين" هو هروب مخزٍ من المسؤولية الحكومية في الوصول إلى كل حظيرة وكل بيت في ريف مصر.
اللحوم والأسعار.. المواطن يدفع الفاتورة مرتين
لم تقتصر تداعيات الفشل الحكومي على نفوق الحيوانات، بل امتدت لتضرب جيب المواطن ومائدته. ورغم انخفاض أسعار اللحوم "مؤقتاً" بنسبة 10% بسبب ذعر المواطنين وعزوفهم عن الشراء خوفاً من المرض، إلا أن الخبراء يحذرون من "تسونامي" أسعار قادم نتيجة نقص المعروض مستقبلاً بعد نفوق الأمهات وانخفاض الإنتاجية.
الحكومة، كعادتها، تقف موقف المتفرج، مكتفية بضخ "اللحوم المستوردة" والحديث عن "الاكتفاء الذاتي الوهمي"، بينما تترك السوق لآليات العرض والطلب المشوهة، وتترك المستهلك فريسة للشائعات والجزارين.
ختاماً، إن دخول "SAT1" إلى مصر هو إدانة دامغة لسياسات "حكومة الانقلاب" التي أهملت القطاع الزراعي والبيطري لصالح "الخرسانات". هذه الحكومة التي فشلت في حماية حدودنا من "فيروس"، لن تنجح في حماية أمننا الغذائي. وما لم تتم محاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال الجسيم وتغيير جذري في استراتيجية التعامل مع الثروة الحيوانية، فإن القادم سيكون أسوأ، وسيدفع المصريون ثمن هذا الفشل من دمائهم وأقواتهم.

