في هجوم كاسح يعكس حالة الغليان داخل الأوساط الأكاديمية والمجتمعية، وجهت الدكتورة علياء المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، صفعة قوية لوزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، واصفة إياه بكلمات قاطعة لا تقبل التأويل: "معرفش يربي ولا يعلم ولا يراقب المدارس".
هذا التصريح الصادم لم يأتِ من فراغ، بل جاء ليكشف الغطاء عن واقع تعليمي "كارثي" تعيشه مصر في ظل "الجمهورية الجديدة"، حيث تحولت الوزارة من مؤسسة لبناء العقول إلى "تكية" للفشل الإداري والتخبط القراري.
شهادة وفاة رسمية للعملية التعليمية
تصريحات الدكتورة علياء المهدي تمثل "شهادة وفاة" رسمية لما تبقى من هيبة التعليم في مصر. فعندما تخرج قامة أكاديمية بهذا الحجم لتؤكد أن الوزير "لا يعرف كيف يربي"، فهذا يعني أننا أمام انهيار قيمي وأخلاقي داخل المدارس قبل أن يكون انهياراً تعليمياً. فالوزير الذي جاء محاطاً بعلامات استفهام حول مؤهلاته وخبراته، أثبت عملياً أنه عاجز عن ضبط إيقاع المدارس التي تحولت إلى ساحات للفوضى، يغيب عنها المعلم ويحضر فيها العنف والتسيب.
ما قالته المهدي يضع الإصبع على الجرح النازف: فالمدارس المصرية اليوم لم تعد مؤسسات تربوية، بل أصبحت "جراجات" لتخزين الطلاب، بلا رقابة حقيقية، وبلا محتوى تعليمي، وبلا تربية. الوزير الذي يتشدق ليل نهار بـ"الجولات الميدانية" و"زيارات الفجر"، لم ينجح سوى في التقاط الصور، بينما الواقع داخل الفصول يؤكد أنه "فاقد للشيء ولا يعطيه".
"شاهد مشفش حاجة".. غياب الرقابة وانفلات المدارس
انتقدت المهدي بحدة غياب الدور الرقابي للوزارة، مشيرة إلى أن الوزير "مش عارف يراقب". هذه الجملة تلخص مأساة ملايين الأسر المصرية التي تكتوي بنار "السناتر" والدروس الخصوصية التي أصبحت البديل الإجباري للمدرسة. ففي عهد الوزير الحالي، تفاقمت ظاهرة "المدارس الوهمية" حيث يدفع الطلاب المصروفات للحصول على "اسم مدرسة" فقط، بينما التعليم الحقيقي يتم خارج أسوارها.
لقد فشلت الوزارة في فرض سيطرتها على المدارس الدولية والخاصة التي ترفع المصروفات بمزاجها، وفشلت في ضبط المدارس الحكومية التي تعاني من عجز صارخ في المعلمين تجاوزته الوزارة بـ"حلول ترقيعية" مثل التعاقد بالحصة مع غير المتخصصين، مما حول العملية التعليمية إلى "سبوبة" لمن لا مهنة له.
تخبط القرارات: تجريب في أجساد حية
لم يقف النقد عند حدود الانفلات الأخلاقي والإداري، بل امتد ليشمل العبث بمستقبل الطلاب عبر قرارات عشوائية تصدر في "منتصف الليل". فمن إلغاء مواد وإضافتها، إلى تغيير نظام الثانوية العامة بجرة قلم، يتعامل الوزير مع الطلاب وكأنهم "فئران تجارب" في معمل خاص.
هذا التخبط يعكس غياب الرؤية الاستراتيجية، حيث يتم هدم ثوابت تعليمية راسخة (مثل تقليص حصص مواد أساسية أو دمجها) بدعوى "التطوير"، بينما الهدف الحقيقي هو "تقليل النفقات" وتوفير الميزانية على حساب جودة التعليم، وهو ما حذرت منه المهدي ضمنياً بالإشارة إلى أن الوزير "لا يعرف كيف يعلم".
وزير "الشو الإعلامي" والواقع المر
بينما يخرج الوزير بتصريحات وردية عن "تعليم البرمجة" و"الذكاء الاصطناعي"، تؤكد الدكتورة علياء المهدي والواقع المعاش أن الوزارة فشلت في توفير "تختة" سليمة لطالب، أو "حمام" نظيف في مدرسة. هذه الفجوة الهائلة بين تصريحات الوزير "الفيسبوكية" وبين الواقع المذري للمدارس، تؤكد أننا أمام مسؤول منفصل تماماً عن الواقع، يدير الوزارة بمنطق "اللقطة" وليس بمنطق رجل الدولة.
ختاماً، إن صرخة الدكتورة علياء المهدي هي جرس إنذار أخير قبل الانهيار التام. فبقاء وزير بهذه المواصفات، يفتقد للكفاءة التربوية (التربية) والمهنية (التعليم) والإدارية (الرقابة)، هو جريمة في حق مستقبل مصر. إن استمرار هذا العبث بمقدرات الأجيال القادمة لن يؤدي إلا إلى تخريج جيل "مشوه" تعليمياً ونفسياً، ليكون هذا هو الإنجاز الحقيقي والوحيد لـ"حكومة الانقلاب" في ملف التعليم.

