وصفت صحيفة "تركيا توداي"، الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتصنيف فروع جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ولبنان والأردن كمنظمات "إرهابية أجنبية" بأنه يشكل "لحظة محورية في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ويشير إلى تغيير كبير في نهج واشنطن".
وقالت إن ترامب كان حريصًا على تصنيف جماعة الإخوان كـ "منظمة إرهابية" منذ ولايته الأولى، لكنه فشل في عام 2017، "ونتيجة لهذا فإن القرار يتجاوز المنطق الأمني المباشر ليتم النظر إليه باعتباره مظهرُا من مظاهر التغيرات البنيوية الأوسع نطاقُا في العلاقات الدولية".
وأضافت: "بمعنى آخر، يمكن القول إن هذا التصنيف يُعدّ جزءًا استراتيجيًا من إعادة تنظيم جيوسياسي. الهدف هو تهميش الجهات الفاعلة غير الحكومية وإعادة تشكيل هياكل الأمن الإقليمي، بالإضافة إلى إعادة تعريف الحركات الدينية في المشهد السياسي العالمي".
قرار ترامب المرتقب بشأن الإخوان: تحول هيكلي
ورأت الصحيفة، أنه "لا يُمكن فهم تصنيف الرئيس ترامب لجماعة الإخوان المسلمين كإجراء أمني معزول تمامًا. بل هو تتويجٌ لضغطٍ داخليٍّ طويل الأمد من تحالفٍ ثنائيّ الحزب في الكونجرس، ويعكس توجهًا منهجيًا أعمق في النظام الدوليّ ما بعد الثورات العربية".
وقالت إن "جوهر هذا التوجه هو التهميش المتعمد والتفكيك المنهجي للجهات السياسية غير الحكومية لصالح نموذج دبلوماسي وأمني متمركز حول الدولة. لذلك، يوجد نمط منهجي من التهميش الجيوسياسي للجهات غير الحكومية، مثل جماعة الإخوان المسلمين".
واعتبرت أن "هذه "التصفية" الجيوسياسية ليست ظاهرة جديدة، بل تسارعت بشكل ملحوظ. تتماشى هذه السياسة مع الجهود المستمرة لدمج أو تحييد الفصائل المسلحة في سوريا، والضغط المالي والعسكري على حزب الله، والعقوبات الشاملة المفروضة على الحوثيين في اليمن، والإجماع الدولي على تحييد حماس بعد عملية طوفان الأقصى".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "بربط "الجناح العسكري" لجماعة الإخوان المسلمين في لبنان بعمليات حماس، يُنشئ الأمر التنفيذي الأمريكي تهديدًا أمنيًا موحدًا من شبكة معقدة لامركزية. هذا التبسيط المفرط خيار استراتيجي، وليس فشلًا تحليليًا، بل يُضفي أيضًا شرعية على سياسة شاملة ضد حركة تعمل، في الواقع، بشكل متنوع عبر السياقات الوطنية - كحزب سياسي في بعض الدول، وحركة اجتماعية في أخرى، ومعارضة مكبوتة في عدة دول أخرى".
وأوضحت أن "الهدف الأساسي هو القضاء على مراكز القوة السياسية البديلة التي انبثقت عن انتفاضات عام 2011. هذه الحركات، القادرة على التعبئة الجماهيرية وطرح تحديات أيديولوجية للأنظمة القائمة، تُعتبر الآن تهديدات جوهرية للاستقرار الإقليمي الذي تقوده دول الغرب، والذي يعتمد على التعامل مع سلطات الدولة القائمة".
وأردفت الصحيفة: "وبالتالي، يُعدّ هذا التصنيف أداةً للهندسة الجيوسياسية، تهدف إلى تجريد هذه الحركات من شرعيتها. كما يُوفّر إطارًا عالميًا للدول الشريكة، من مصر والمملكة العربية السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة، لتكثيف حملاتها القمعية المحلية. تُشير هذه الخطوة إلى إغلاق المجال السياسي الذي فُتح لفترة وجيزة قبل عقد من الزمن، مما فرض على العلاقات الدولية الاعتماد حصريًا على التفاعلات بين الدول".
التداعيات عبر الأطلسي
وأوضحت الصحيفة أن قرار ترامب يحمل إمكانية كبيرة لإحداث سلسلة من ردود الفعل تتجاوز الشرق الأوسط، لا سيما في نطاق العلاقات عبر الأطلسي، "لسنوات، حافظ الاتحاد الأوروبي على موقف أكثر صرامة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، متجنبًا تصنيفها بشكل شامل اعترافًا بتنوع مظاهرها الوطنية".
لكنها رأت أن "الخطوة التي اتخذتها واشنطن قد تؤدي إلى تمكين القوى السياسية داخل الدول الأوروبية الرئيسية، مثل فرنسا والنمسا وألمانيا، التي دعت منذ فترة طويلة إلى اتباع خط أكثر عدوانية ضد الحركات الإسلامية".
وذهبت الصحيفة إلى أن "أي تحول أوروبي محتمل نحو تجريم الإخوان المسلمين ستكون له آثار عميقة تتجاوز السياسة الخارجية بكثير. سيؤثر ذلك بشكل مباشر على القدرة التشغيلية لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية وجماعات المناصرة الإسلامية في جميع أنحاء أوروبا، حيث يُنظر إلى العديد منها على أنها ذات صلات أيديولوجية بالإخوان المسلمين".
وتابعت: "وقد يؤدي هذا إلى نشوء بيئة أمنية مقيدة تعمل على تشويه المشاركة السياسية والمشاركة المدنية للمجتمعات المسلمة، وربط النشاط الديني والسياسي بالإرهاب".
وعلى ضوء ذلك، قالت الصحيفة إنه "سوف يتم اختبار التوازن الدقيق بين الأمن والحريات المدنية، مما قد يؤدي إلى تنفير قطاعات من السكان الأوروبيين وتسريع وتيرة الشروخ المجتمعية التي تسعى الجماعات المتطرفة إلى استغلالها".
علاوة على ذلك، رأت الصحيفة أن هذا يُشكّل وضعًا دبلوماسيًا مُعقّدًا لحلفاء الناتو. فبالنسبة لدولة مثل تركيا، التي تستضيف العديد من وسائل الإعلام والشخصيات المرتبطة بالإخوان المسلمين، يُؤطّر هذا التصنيف سياستها كمسؤولية مُحتملة داخل الحلف.
واستطردت الصحيفة في تفسيرها لتداعيات القرار على تركيا: "يُضع أنقرة أمام خيارٍ صعب: إما الاصطفاف مع النموذج الأمني المُرتقب الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يتمحور حول الدولة، والمُخاطرة بعلاقاتها التاريخية مع الحركات الإسلامية، أو المقاومة ومواجهة عزلة دبلوماسية مُتجدّدة تُذكّر بفترة التوتر التي أعقبت الثورات العربية".
وبدلاً من ذلك، قالت إنه يتعين على أنقرة أن تجد طريقاً ثالثًا للتغلب على هذا الضغط أو المعضلة من خلال خلق توازن أفضل للقوى باستخدام قوتها الدبلوماسية والعسكرية وتحالفاتها.
التحول الإقليمي
ورأت الصحيفة أن هذا التصنيف يرتبط ارتباطًا مباشرًا بإعادة تشكيل النظام الإقليمي الحالي، لا سيما فيما يتعلق بمستقبل غزة. تُصوّر الإدارة الأمريكية جماعة الإخوان المسلمين على أنها "الهيكل المركزي" لسلسلة مزعزعة للاستقرار من الجهات الفاعلة غير الحكومية، وتُعتبر حماس أهم حلقاتها.
وقالت: "وهكذا يُقدَّم تحييد الإخوان المسلمين باعتباره شرطاً أساسيًا لتحقيق "الاستقرار الوقائي" الذي تسعى إليه الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون، وخاصة في الدول الهشة مثل الأردن ولبنان، حيث يمثل الإخوان المسلمون قوة سياسية واجتماعية كبيرة".
لكن هذا الضغط القسري يُجبر الحركات الإسلامية نفسها على مفترق طرق استراتيجي. ومن شأن هذا التصنيف أن يُسرّع عملية التحول السياسي الضروري، كما تقول الصحيفة.
وذكرت أن الحركات الإسلامية التقليدية، وبخاصةً تلك التي تنتمي إلى تيار الإخوان المسلمين، تُضطر الآن إلى الاختيار بين التهميش والتكيف. ولعلّ سبيل البقاء والأهمية يكمن في تحوّل حاسم نحو زيادة الشفافية، والتأسيس، وتركيز أوضح على السياسات الحزبية ضمن الأطر الوطنية.
واستشهدت على سبيل المثال بحزب الإصلاح اليمني أو الوضع المتطور لحركة النهضة التونسية، والذي رأت أن التكامل، مهما واجه من تحديات، ممكن. أما حماس، فتواجه حسابًا وجوديًا أعمق.
وبالنسبة لتركيا، اعتبرت الصحيفة أن هذا التحول الإقليمي يُمثل مصفوفةً مزدوجة من المخاطر والفرص. فمن جهة، يُمكن لأنقرة أن تستغل انحيازها إلى تيار "التصفية" الأوسع لتعزيز مصالحها الأمنية الجوهرية، مثل كسب دعم دولي أوسع لحملتها ضد حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب.
من ناحية أخرى، قالت إنه يجب عليها إعادة تقييم علاقاتها مع الحركات الإسلامية التقليدية بعناية لتجنب التوسع الاستراتيجي المفرط والعزلة الدبلوماسية. وسيكون لنتائج هذه المراجعة تأثير كبير على دور تركيا في المشهد الشرق أوسطي المتطور.
ورأت الصحيفة: "باختصار، تمثل محاولة ترامب تعيين جماعة الإخوان المسلمين مقامرة استراتيجية لإعادة تصميم الشرق الأوسط إلى شكل أكثر مركزية على الدولة، مما يكشف عن معضلة للحركات الإسلامية: ما إذا كان عليها التكيف مع هذا التحدي أو مواجهة الفناء السياسي".

