في حلقة جديدة من مسلسل "إفقار المصريين" الذي تتقنه بامتياز، أعلنت حكومة الانقلاب العسكري حرباً جديدة على محدودي الدخل، ولكن هذه المرة سلاحها هو "عداد الكهرباء". فبدلاً من توفير خدمات آدمية تراعي الظروف الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها الشعب، خرجت وزارة الكهرباء بتهديدات صريحة بقطع التيار ورفع العدادات، وكأن المواطن هو المسؤول عن الفشل الإداري والفساد الذي ينخر في جسد الوزارة منذ سنوات.
"ادفع أو عش في الظلام".. منطق البلطجة الحكومية
في تهديد لا يصدر إلا عن "سلطة جباية"، أنذرت وزارة الكهرباء أصحاب العدادات القديمة - وعددهم يتجاوز 42 مليون مواطن - برفع العداد قسرياً في حال التأخر عن سداد الفاتورة لشهرين فقط. ولم تكتفِ بذلك، بل فرضت "إتاوة" جديدة تحت مسمى "غرامة 7%" من قيمة الفاتورة في الشهر الأول للتأخير. هذه الإجراءات التعسفية تكشف الوجه القبيح لنظام لا يرى في المواطن سوى "ماكينة صرافة" لتمويل فشله، غير عابئ بأن ملايين الأسر باتت تفاضل بين شراء الطعام أو دفع فواتير الخدمات التي تضاعفت أسعارها بشكل جنوني.
12 فخاً لنزع العداد.. وحصار المواطن في منزله
لم تكتفِ الحكومة بتهديد المتأخرين عن السداد، بل نشر جهاز مرفق الكهرباء قائمة بـ 12 حالة تمنح شركات التوزيع "ضوءاً أخضر" لانتهاك حرمة المنازل ورفع العدادات، منها أسباب مطاطة تفتح الباب واسعاً للفساد والمحسوبية، مثل "منع مندوب الشركة من التفتيش" أو "زيادة الأحمال". وكأن المواطن الذي يعيش في شقة متواضعة هو من يهدد الشبكة القومية، وليس القصور الفادح في صيانة المحطات أو إهدار المليارات في مشروعات وهمية لا طائل منها.
"مسبق الدفع".. وسيلة جديدة لاستنزاف الجيوب
الهدف الحقيقي من وراء هذه الحملة المسعورة ليس "تحسين الخدمة" كما يزعم إعلام النظام، بل هو إجبار المواطنين على التحول لنظام "العداد مسبق الدفع" (الكارت). هذا النظام الذي يحول خدمة الكهرباء من "حق أساسي" إلى سلعة لمن يدفع مقدماً، يضمن للحكومة تحصيل الأموال أولاً بأول، ويترك المواطن رهينة لنفاد الرصيد وانقطاع التيار في أي لحظة، حتى في أوقات الطوارئ. إنها خطة ممنهجة لتحويل الشعب المصري كله إلى "لاجئين" في وطنهم، يدفعون ثمن الهواء الذي يتنفسونه.
كهرباء "الانقلاب" تصعق البسطاء
إن ما تمارسه وزارة الكهرباء اليوم هو "إرهاب معيشي" مكتمل الأركان. ففي الوقت الذي تنير فيه العاصمة الإدارية الجديدة وقصور الجنرالات بكهرباء لا تنقطع، يُهدد المواطن البسيط بالطرد من شبكة الكهرباء إذا تعثر شهراً واحداً. هذه السياسات لا تؤسس لدولة قانون، بل لـ "دولة جباية" لا ترحم فقيراً ولا تراعي عاجزاً، وتؤكد يوماً بعد يوم أن نظام السيسي لا يملك أي حلول للأزمات سوى مد يده في جيوب الغلابة.

