يتواصل التصعيد العسكري في السودان مع دخول الحرب الأهلية مراحل جديدة من العنف، خاصة في غرب وشمال كردفان ودارفور، حيث تمكن الجيش السوداني من صد هجوم عنيف شنته قوات الدعم السريع المدعومة من حركات متمردة على مدينة بابنوسة. في الوقت ذاته، تتفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور، خصوصًا في مدينة الفاشر، وسط تحذيرات من انهيار الوضع الإنساني، وتجاهل دولي متواصل. وبين اشتداد المعارك، واتساع رقعة النزوح، تقف البلاد أمام مفترق طرق خطير يعصف بمستقبلها الأمني والإنساني.
معركة بابنوسة: الجيش يصد أعنف هجوم منذ بداية الحرب
شهدت مدينة بابنوسة بغرب كردفان، أمس الأحد، أعنف وأوسع هجوم تشنه قوات الدعم السريع منذ بداية حصارها للمدينة قبل أكثر من عام. وشاركت في الهجوم قوات الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، إلى جانب حركتي الطاهر حجر والهادي إدريس، المتحالفة مع الدعم السريع.
بحسب مصادر عسكرية، تمكنت الفرقة 22 - مشاة من صد الهجوم بعد معركة استمرت لأكثر من 6 ساعات، استخدمت فيها الطائرات المسيّرة التابعة للجيش في تدمير أكثر من 40 آلية عسكرية للمهاجمين، وإلحاق خسائر بشرية جسيمة أجبرت المهاجمين على الانسحاب خارج المدينة.
قائد الفرقة، اللواء معاوية حمد عبد الله، أكد في رسالة مصورة من داخل المدينة استمرار الصمود قائلاً: "سنقاتل حتى الموت ولن نخذل الشعب السوداني".
ورغم الضربات الجوية المستمرة من الجيش، ما زالت قوات الدعم السريع تحاصر المدينة من ثلاثة محاور، وتحاول اختراق الدفاعات للوصول إلى مقر الفرقة العسكرية.
تطورات شمال كردفان: تقدم للجيش واستعادة مواقع استراتيجية
في شمال كردفان، أحرزت قوات الجيش السوداني تقدمًا ميدانيًا في عدة محاور، خاصة بعد استعادة بلدتي كازقيل وأم دم حاج أحمد، وإجبار الدعم السريع على التراجع جنوبًا إلى منطقة الحمادي.
وتستعد قوات الجيش، مدعومة بـقوات درع السودان بقيادة اللواء أبوعاقلة كيكل، لاستعادة مدينة بارا التي تسيطر عليها الدعم السريع منذ أكثر من شهر، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية كمعبر يربط غرب البلاد بوسطها، وخط حيوي لطريق الأبيض – الخرطوم.
مأساة الفاشر: نزوح جماعي وأوضاع إنسانية متدهورة
في شمال دارفور، أكدت تقارير محلية ودولية استمرار النزوح الجماعي من مدينة الفاشر إلى محلية طويلة، بعد سيطرة الدعم السريع على المدينة في 26 أكتوبر. وأوضح مجيب الرحمن الزبير، رئيس السلطة المدنية بحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، أن الفاشر باتت غير صالحة للحياة، بسبب الانتهاكات والجوع والحصار.
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، زار المنطقة ووعد بتقديم مساعدات عاجلة، إلا أن حجم الاحتياجات يفوق قدرات التدخل الحالي.
تحذيرات من انهيار إنساني شامل
حذرت الجهات الإنسانية في السودان من انهيار كامل للوضع الإنساني، حيث أكدت مفوضية العون الإنساني استقبال آلاف الأسر الفارة من دارفور وكردفان في الولاية الشمالية، تحديدًا بمدينة الدبة، في ظل عجز الخدمات وغياب الإمدادات الكافية.
وأشارت المفوضة سلوى آدم بنية إلى استمرار احتجاز مدنيين في الفاشر لأغراض سياسية من قبل الدعم السريع، ووجود عدد غير معلوم من المفقودين، مشيرة إلى أن مدينتي كادوقلي والدلنج تعانيان حصارًا مماثلًا.
الحكومة الموازية ترحب بالمساعدات الأممية
رحّب الهادي إدريس، حاكم إقليم دارفور وعضو المجلس الرئاسي لحكومة "تأسيس" التابعة للدعم السريع، بزيارة فليتشر، مؤكدًا التزام حكومته بتسهيل عمل المنظمات الدولية، وتقديم الضمانات للعمل الإنساني.
وفي المقابل، أعلنت وزارة التنمية والرعاية الاجتماعية عن تقديم مساعدات غذائية ودعم نقدي مباشر لعشرات الآلاف من الأسر النازحة في محلية دنقلا بالولاية الشمالية.
وفي الأخير وفي وقتٍ تحتدم فيه المعارك بين الجيش السوداني والدعم السريع، يتفاقم الوضع الإنساني إلى مستويات كارثية، وسط غياب حل سياسي، وضعف الاستجابة الدولية. وبين التصعيد العسكري في بابنوسة، والنزوح الكبير من دارفور، تظل معاناة المدنيين العنوان الأبرز لحرب لا تزال تُحسم على الأرض، وتُغض الطرف عنها في المحافل الدولية.

