دخلت أزمة عمال شركة مياه الشرب بالقاهرة مرحلة أكثر تعقيدًا، بعد فشل الحزمة التي أعلنتها الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي في إقناع العاملين بإنهاء احتجاجاتهم المتواصلة منذ الأربعاء الماضي.

 

فبرغم صدور 13 قرارًا قالت الشركة إنها "تحفيزية وتنظيمية" لضمان استقرار العاملين، فإن موجة الغضب لم تتراجع، واستمرت الوقفات في عشرات المواقع على مستوى العاصمة، وسط توسّع غير مسبوق في حجم المشاركة وتنوعها.

 

احتجاجات تمتد إلى أكثر من 30 موقعًا وتحركات غير مسبوقة داخل المحطات

 

واصل العمال تنظيم تظاهرات ووقفات احتجاجية في أكثر من 30 موقعًا بين شبكات مياه، محطات معالجة وتحلية، فروع لخدمة العملاء، مخازن، والإدارة العامة في شارع رمسيس. ويؤكد العمال أن القرارات الصادرة "لم تمس جوهر مطالبهم" وأنها جاءت "شكلية ومرجئة" لمزيد من الدراسة، ما اعتبروه محاولة لامتصاص الغضب دون حلول حقيقية.

 

وأشار أحد العمال إلى وجود ضباط من الأمن الوطني في عدد من المواقع مثل شبكات الزيتون ومصر الجديدة والحي العاشر بمدينة نصر، حيث تحدثوا إلى المحتجين واستمعوا إلى مطالبهم، بينما كانت الهتافات ترتفع من حولهم.

 

مطالب تراكمت منذ سنوات.. والعلاوات المتأخرة في قلب الأزمة

 

تعود جذور الاحتجاجات إلى تراكم مستحقات مالية ووظيفية لم تصرف منذ سنوات. وتتضمن أبرز المطالب:

  • صرف العلاوات المتأخرة منذ عام 2016 للجميع دون استثناء
  • تثبيت العمالة المؤقتة
  • تطبيق الحد الأدنى للأجور بما يراعي التدرج الوظيفي
  • زيادة بدلات الانتقال والوجبة والمياه
  • صرف الأرباح السنوية
  • تسوية المؤهلات للعاملين الحاصلين على شهادات أعلى
  • تحسين مستوى الرعاية الطبية وشمولها أسر العاملين

 

ويؤكد العمال أن الرواتب الحالية لا تعكس سنوات الخدمة؛ فبحسب شهادات من داخل الشركة، تتساوى رواتب العاملين القدامى ممن أمضوا 20 أو 30 عامًا بالخدمة مع رواتب العمال الجدد تقريبًا، مع فجوة كبيرة بينهم وبين العاملين في الشركة القابضة نفسها التي تزيد رواتبهم بمقدار 3–4 آلاف جنيه.

 

قرارات القابضة: وعود مؤجلة ومطالب مستثناة

 

شملت القرارات الـ13 الصادرة بنودًا حول مراجعة الفروق الضريبية، وتصحيح أوضاع الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة، وتعديل ضوابط بدل الانتقال، وإلغاء البصمة للمحصلين، والسماح بالكشف الطبي كمأمورية دون عودة.

 

لكن البنود الأبرز —مثل صرف العلاوات المتأخرة وتثبيت المؤقتين— غابت، وهو ما أشعل غضب العمال. كما أثار البند المتعلق بتنفيذ أحكام العلاوات "وفقًا للملاءة المالية لكل شركة" انتقادات واسعة، وقال العمال إنه يمثل التفافًا على استحقاقاتهم باعتبار العلاوات "حقًا مكتسبًا لا يحتاج إلى رفع قضايا".

 

يرى بعض العاملين أن الإدارة "تدفع العمال دفعًا إلى الاستمرار في الاحتجاج". وقال أحدهم إن كثيرًا من العمال حصلوا بالفعل على أحكام قضائية لم تُنفذ منذ سنوات.

 

حافز التميز… مصدر جديد للاحتقان

 

جاء قرار احتساب حافز التميز للمحصلين بعقد العمل الموحد فقط دون غيرهم ليعمّق الشعور بالتمييز، خصوصًا لدى المحصلين المثبتين والعاملين الآخرين. وأكد أحد المحتجين أن هذا الاستثناء "أشعل غضبًا واسعًا"، وزاد من رقعة الاحتجاج داخل محطات المياه، التي ارتفع عددها اليوم إلى ست محطات بدلًا من ثلاث.

 

هتافات تشتعل وتوسع غير مسبوق في المشاركة

 

وثقت مقاطع مصورة هتافات العمال:

  • "يا وزير الإسكان حقوقنا ضايعة من زمان"
  • "مش هنمشي.. عماشة يمشي"
  • "يا رجالة ويا ستات.. انزلوا طالبوا بالعلاوات"

الهتافات تعكس حجم الإصرار على الاستمرار، خاصة مع تصاعد الغضب تجاه نائب رئيس مجلس إدارة مياه القاهرة للشؤون المالية والإدارية، علي عماشة، الذي يطالب كثيرون بإقالته.

 

 

وعود أحمد جابر… "مجرد كلام" كما يرى العمال

 

كان القائم بأعمال رئيس الشركة القابضة، أحمد جابر، قد التقى بالعمال في محطتي الزيتون والأميرية الخميس الماضي، طالبًا منهم العودة للعمل ومنحه الوقت لتنفيذ المطالب. لكن المحتجين اعتبروا الوعود "غير ملموسة" و"لا تتجاوز الكلام"، وتزايد الاحتقان مع تأخر أي خطوات عملية.

 

إضراب المحصلين يقلّص الإيرادات بنسبة 80%

 

بدأت شرارة الاحتجاجات قبل أسبوع عندما امتنع محصلو الفواتير بالقاهرة عن التحصيل، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات بنحو 80%، بحسب شهادات للعمال. ورغم محاولات الإدارة دفع مشرفي التحصيل للنزول لتعويض النقص، إلا أن هؤلاء انضموا بدورهم إلى الإضراب أمس.

 

احتجاجات لم تتوقف منذ عام.. وسلسلة ممتدة في محافظات أخرى

 

شهدت شركات مياه الشرب والصرف الصحي في الإسكندرية والقليوبية ومحافظات أخرى خلال الشهور الماضية وقفات احتجاجية متزامنة للمطالبة بالمطالب ذاتها: ضم العلاوات، تحسين الأجور، وتثبيت المؤقتين.

 

ورغم مناشداتهم المتكررة لرئاسة الجمهورية والجهات التنفيذية، فإن العمال لم يتلقوا استجابة حتى الآن، ما دفعهم إلى التمسك بتصعيدهم الأخير.