بدأت اليوم، الاثنين 10 نوفمبر، المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر، وسط مشهد انتخابي يتكرر مع كل دورة انتخابية في السنوات الأخيرة: ضعف في الإقبال الشعبي، حضور محدود لموظفين عموميين وأقارب مرشحين، وتكثيف للحشد المنظم دون مشاركة جماهيرية واسعة. تشمل المرحلة الأولى 14 محافظة، من بينها الجيزة، الإسكندرية، المنيا، البحيرة، أسيوط، بني سويف، والفيوم.

ومع غياب الأرقام الرسمية حتى منتصف اليوم، استُخدمت نسبة 17.1٪ التي أعلنتها الهيئة الوطنية لانتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس كمؤشر على المزاج الانتخابي الراكد الذي يبدو أنه مستمر في دورة 2025.
 

المشهد السياسي العام: أزمة ثقة ومحدودية الخيارات
تأتي هذه الانتخابات في ظل واقع سياسي يفتقر إلى التعددية الحزبية الفعلية والمنافسة الحقيقية. يشعر كثير من المواطنين بأن البرلمان فقد دوره الرقابي والتشريعي الفعّال، ما انعكس في عزوف شعبي متكرر. فغياب البدائل السياسية الجادة، وضعف أداء الأحزاب، وهيمنة قائمة واحدة أو مرشحين مدعومين من الدولة في أغلب الدوائر، أفرغ العملية الانتخابية من معناها التشاركي.

يقول أحد الشباب من محافظة الشرقية: "البرلمان السابق لم يكن له أي صوت، ولم يدافع عن المواطنين، فلماذا نشارك مجددًا؟"
هذا الشعور يتكرر في مختلف المناطق، وهو ما يجعل الانتخابات تمر كحدث إداري أكثر منها استحقاقًا ديمقراطيًا يعكس الإرادة الشعبية.
 

المشاركة الرمزية والحضور الشكلي: من يصوّت؟
رغم فتح اللجان منذ ساعات الصباح الأولى، خلت العديد منها من الناخبين العاديين. اقتصر الحضور في أغلب المحافظات على الموظفين الذين حصلوا على إذن بالخروج من العمل، وأقارب المرشحين الذين شاركوا بدافع الدعم الشخصي، إضافة إلى حضور الحشد المنظّم عبر الحافلات والسيارات التابعة لحملات انتخابية.

قالت سيدة في بني سويف: "أنا هنا علشان ابن عمي مرشّح، مش علشان أنا مقتنعة بالانتخابات."
وهو ما يعكس أزمة أعمق تتعلق بانعدام الثقة في أن الصوت الانتخابي يمكن أن يؤدي إلى تمثيل فعلي أو تغيير ملموس.
 

جولة ميدانية في المحافظات: مشهد هادئ وحضور خافت

  • المنيا
    قال موظف بإحدى اللجان الفرعية في مدينة المنيا: "حتى الحادية عشرة صباحًا، أغلب من حضروا زملاء إداريون أُبلغوا بالحضور، مع أقارب المرشحين، واللجنة هادئة جدًا".
    وفي بني مزار، أفاد شاهد عيان: "الطريق أمام المدرسة فاضي، سيارات الحملات تجيء وتذهب، لكن ما فيش طوابير من الأهالي".
     
  • الجيزة
    ذكرت معلمة تقيم في الهرم: "المشهد شبه خالٍ، قابلت موظفات رايحات سوا للتصويت وراجعين على الشغل، غير كده الحركة ضعيفة".
    وقال صاحب مقهى قرب لجنة بالدقي: "لافتات كتير وحضور منظّم بالميكروباص، بس الناس العادية مش مهتمة، ما فيش زحمة".
     
  • الإسكندرية
    قال طالب جامعي من سيدي جابر: "اللجان فاضية أغلب الوقت، اللي ظاهر هم مندوبو المرشحين وأقاربهم".
    وقالت صاحبة محل بميامي: "بيمرّوا سيارات للحشد، لكن داخل اللجنة الحركة خفيفة، مفيش أي طوابير".
     
  • البحيرة
    أفاد سائق من دمنهور: "النهارده شغلنا عادي، مفيش ضغط نقل للجان إلا مع عربيات الحملات".
    وقالت موظفة بمصلحة حكومية: "إدارتنا سمحت بالخروج للتصويت، ورجعنا فورًا، ما شفتش زحمة خارج دائرة الأقارب".
     
  • بني سويف
    قال ناشط من ناصر: "أغلب اللي حضروا مرتبطين بالحملات أو من الدوائر العائلية للمرشحين".
    وقال تاجر من الفشن: "المشهد هادئ، أكتر الزحمة كانت في ساعة الصبح الأولى وبعدين خفّت".
     
  • الفيوم
    قالت معلمة من سنهور: "في لجان البنات، الحضور متقطّع ومحدود، وأغلبه موظفات رايحات مع بعض".
    وأضاف مراقب محلي: "الحشد المنظم واضح، لكن المشاركة الطوعية ضعيفة جدًا".
     
  • أسيوط
    قال موظف في أسيوط الجديدة: "اللي داخلين معروفين للأمن ومندوبي الحملات، الأهالي العاديين قليل".
    وقال صاحب مكتبة بحي غرب: "النهار ماشي طبيعي، مفيش حركة انتخابية ملحوظة غير عربيات الحملات".
     
  • الأقصر
    قال مرشد سياحي: "عدد الداخلين قليل، الاعتماد على حشد المرشحين، معظم الأهالي مش شايفين فايدة من الطوابير".
    وأضافت ربة منزل من الكرنك: "سمعنا مزيكا ودعاية برة، لكن جوه اللجنة الدنيا هادية".

السمات العامة للمشهد حتى منتصف اليوم

  • حضور رمزي يعتمد على الموظفين العموميين وأقارب المرشحين ومجموعات الحشد.
  • غياب الطوابير الشعبية في المدن ومراكز المحافظات.
  • بروز الحشد المنظّم المرتبط بالقوائم والمرشحين أكثر من مشاركة تلقائية.
  • تسيير العملية الانتخابية بأسلوب إداري شديد التنظيم يمنح الأفضلية للكتل القريبة من السلطة.
     

الانتخابات كإجراء إداري لا سياسي
إنّ ما شهدته اللجان الانتخابية اليوم في معظم المحافظات المصرية لا يمكن وصفه سوى بأنه "تمرين إداري" أكثر من كونه ممارسة سياسية حقيقية. في ظل مشاركة محدودة ومشهد شعبي باهت، يغيب جوهر الانتخابات القائم على التمثيل الشعبي والاختيار الحر. ويبدو أن فئات واسعة من المصريين لم تعد ترى جدوى في العملية، ما يتطلب مراجعة حقيقية لآليات تنظيم الانتخابات، ودور البرلمان، وشكل التنافس السياسي في البلاد.