منذ عام 2021، يعيش آلاف من خطباء المكافأة ومقيمي الشعائر على أمل التعيين الذي وعد به وزير الأوقاف خلال لقاءات متعددة وتصريحات تلفزيونية، إلا أن هذا الأمل تحول إلى معاناة يومية بفعل تجاهل مستمر وعدم استجابة حقيقية لمطالبهم. رغم أنهم يمثلون عصب المنظومة الدعوية في كثير من القرى والمناطق النائية، ما زالوا يتقاضون مكافآت لا تليق بحجم مسؤوليتهم ولا تغطي الحد الأدنى من تكلفة المعيشة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
مكافآت هزيلة وواقع اقتصادي قاسٍ
يتقاضى خطيب المكافأة، بحسب تعليمات وزارة الأوقاف الأخيرة، نحو 920 جنيها شهرياً، بينما يحصل مقيم الشعائر على 400 جنيه فقط. هذه الأرقام تكشف فجوة ضخمة بين أجور العاملين في الوزارة والفئة الأكبر التي تعمل بعقود مؤقتة أو مكافآت رمزية. ومع التضخم وارتفاع الأسعار، أصبحت هذه المبالغ بلا قيمة تقريباً، ما يدفع كثيراً منهم إلى البحث عن أعمال إضافية لتأمين قوت أسرهم.
عدد منهم أشار في تصريحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أنهم ينفقون أكثر من نصف مكافآتهم على المواصلات وأدوات الدعوة، مثل الكتب والمناداة، في حين لا توفر الوزارة أي دعم مادي أو لوجستي حقيقي لهم.
وعود رسمية تتلاشى مع الوقت
في عام 2021 أعلن وزير الأوقاف عبر بيان رسمي أن ملف خطباء المكافأة قيد المراجعة وأن الوزارة تسعى لتعيين الأئمة المتميزين منهم وفقا لشروط التكافؤ والجدارة. كما وعد بأن تكون هناك زيادات تدريجية في المكافآت وتحسين بيئة العمل. لكن بعد مرور أربع سنوات كاملة، لم يتحقق أي من تلك الوعود، مما أثار حالة استياء واسعة في أوساط العاملين في المجال الدعوي.
وتشير بيانات نقابية غير رسمية إلى أن عدد خطباء المكافأة ومقيمي الشعائر يتجاوز 40 ألفا على مستوى الجمهورية، معظمهم من خريجي الأزهر الشريف ويحملون مؤهلات عليا في الشريعة والدعوة، إلا أنهم خارج منظومة التعيين الحكومي رغم احتياج المساجد لهم.
أصوات الاستغاثة تتعالى على مواقع التواصل
خلال الأشهر الأخيرة، أطلق العشرات من خطباء المكافأة حملات إلكترونية عبر فيسبوك وتويتر تحت وسوم “#خطباء_بدون_تعيين” و“#أنقذونا_يا_وزارة_الأوقاف”، مطالبين الرئيس والحكومة بالتدخل لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ سنوات. بعضهم نشر صور خطابات رسمية وطلبات تعيين مؤرخة منذ عام 2018 لم يتلقوا عنها أي رد.
تعليقاتهم كشفت شعوراً بالإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات الرسمية، حيث يتساءل أحدهم: "كيف تطلب منا الوزارة أن نربي القيم ونحافظ على المنابر ونحن لا نجد ما يسد رمقنا؟"، بينما كتب آخر: "نعمل كجنود في الدعوة بلا سلاح ولا تأمين ولا تقدير".
خبراء: غياب التخطيط وتضارب الأولويات
يرى الخبير الإداري الدكتور عبد السلام شوقي أن المشكلة ليست مالية فقط، بل تنظيمية وإدارية بالأساس، إذ تعتمد الوزارة على نظام مكافآت مؤقتة دون جدول زمني واضح للتعيين رغم وجود عجز ظاهر في أعداد الأئمة المقيدين رسمياً. ويضيف أن استمرار الوضع بهذه الصورة يفقد المنظومة الدعوية استقرارها ويجعل الأئمة عرضة للاستغلال.
من جانبه، اعتبر الباحث في شؤون العمل العام حسام عمر أن تجاهل ملف خطباء المكافأة "يمثل خللاً في أولويات الدولة"، مطالباً بوضع جدول زمني محدد لتعيين الدفعات تباعاً، مع رفع الحد الأدنى للمكافأة بما لا يقل عن 3000 جنيه شهرياً حتى يتم التثبيت الكامل.
أزمة تتجاوز الأرقام: الدعوة في خطر
يرى مراقبون أن استمرار إهمال هذا الملف يهدد الرسالة الدعوية نفسها، إذ يضع العاملين في وضع اقتصادي صعب ينعكس سلباً على أدائهم داخل المساجد والمجتمع. كما يخشى بعض الأئمة من أن يؤدي التذمر والفقر إلى تفريغ المساجد من الدعاة المؤهلين، مما قد يفتح المجال أمام الخطاب المتشدد أو غير المنضبط.
الخلاصة أنه بعد أربع سنوات من الوعود غير المنفذة، يظل ملف خطباء المكافأة ومقيمي الشعائر أحد أبرز القضايا العالقة داخل وزارة الأوقاف. هؤلاء لم يعودوا يطلبون سوى العدالة والكرامة وتقدير عملهم الذي يمثل واجباً دينياً وخدمة وطنية في آن واحد. وبينما تتحدث الوزارة عن “تطوير الخطاب الديني”، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن تطوير الدعوة في ظل تهميش من يقودونها؟

