شهدت السجون أمس السبت 8 نوفمبر 2025، حالة وفاة جديدة تضاف إلى سلسلة الوفيات الناتجة عن الإهمال الطبي الجسيم وحرمان السجناء من حقوقهم في العلاج والرعاية الصحية.

 

فقد أعلنت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن وفاة المعتقل السياسي أحمد محمود محمد سعيد، البالغ من العمر 48 عامًا، داخل سجن الجيزة العمومي (الكيلو 10 ونص)، بعد تدهور حالته الصحية إثر إصابته بسرطان الغدة ورفض إدارة السجن نقله للعلاج في مستشفى متخصص رغم تدهور وضعه الطبي منذ أكثر من عامين.

 

المتوفى، وهو من أبناء قرية ناهيا بمركز كرداسة بمحافظة الجيزة، كان يعمل بالأعمال الحرة قبل اعتقاله قبل نحو ثماني سنوات، ليقضي معظمها داخل محبسه في ظروف وصفتها منظمات حقوقية بـ"غير الإنسانية"، محرومًا من الرعاية الطبية المناسبة، رغم صدور قرارات قضائية سابقة بإخلاء سبيله.

 

الإهمال الطبي.. عنوان لمعاناة متراكمة

 

وفقًا لتقرير الشبكة المصرية، فقد تم تشخيص إصابة أحمد محمود بسرطان متقدم في الغدة قبل أكثر من عامين، وكان بحاجة ماسة إلى جلسات علاج كيماوي عاجلة، لكن إدارة السجن تجاهلت ذلك، مكتفية بإجراءات علاجية محدودة لا تتناسب مع حالته.

 

وبعد فترة قصيرة قضاها في مستشفى القصر العيني، تمت إعادته إلى محبسه بسجن الجيزة العمومي، على الرغم من توصيات الأطباء بضرورة استكمال العلاج في مركز متخصص. تدهورت حالته سريعًا، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة داخل زنزانته، أثناء نومه، وقد وُجد ميتًا ورأسه على قدم أحد زملائه في السجن، في مشهد يختصر القسوة والحرمان الذي يعيشه آلاف السجناء المرضى في مصر.

 

مسؤوليات قانونية ودستورية منتهكة

 

أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن ما حدث يمثل انتهاكًا صارخًا للمادتين (486) من قانون الإجراءات الجنائية و(56) من الدستور المصري، اللتين تضمنان حق السجناء المرضى في تأجيل تنفيذ العقوبة أو تلقي العلاج الملائم في بيئة صحية آمنة.

 

ورغم وضوح الحالة الطبية الحرجة للراحل، واصلت النيابة العامة تجديد حبسه احتياطيًا، متجاهلة التقارير الطبية والمناشدات الإنسانية من أسرته ومحاميه، ما اعتبرته الشبكة مخالفة جسيمة للدستور والمواثيق الدولية التي تضمن الحق في الحياة والرعاية الصحية.

 

الشبكة حمّلت كلًّا من مصلحة السجون وإدارة سجن الجيزة العمومي المسؤولية الكاملة عن الوفاة، مطالبة بفتح تحقيق قضائي مستقل في ملابساتها، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال الممنهج الذي أودى بحياة العشرات من المحتجزين خلال السنوات الأخيرة.

 

احتجاز متجدد رغم قرارات الإفراج

 

وذكرت الشبكة أن المعتقل الراحل حصل في أكتوبر 2022 على قرار قضائي بإخلاء سبيله مقابل كفالة مالية، غير أن أسرته فوجئت بعد سداد الكفالة بإعادة تدويره في قضية جديدة، وهي ممارسة متكررة في قضايا السجناء السياسيين تعرف باسم "التدوير"، تتيح استمرار حبسهم رغم انتهاء مدد الاحتجاز القانونية.

 

 

من جهته، أعلن مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن أحمد محمود كان قد اعتُقل في مارس 2020 على خلفية قضايا سياسية، وظل رهن الاحتجاز حتى وفاته، رغم صدور قرارات متكررة بإخلاء سبيله. وأكد المركز أن جثمانه نُقل إلى مشرحة القصر العيني تمهيدًا لتسليمه لأسرته ودفنه في مقابر العائلة بقرية ناهيا.

 

 

مطالب حقوقية بتحقيق عاجل وإصلاحات جذرية

 

في بيانات متطابقة، طالب كل من مركز الشهاب والشبكة المصرية لحقوق الإنسان بفتح تحقيق مستقل وشفاف حول ملابسات الوفاة، داعين إلى وقف سياسة الاحتجاز التعسفي والإفراج عن جميع السجناء الذين يعانون من أمراض خطيرة أو حالات إنسانية.

 

كما شدد البيانان على ضرورة تفعيل آلية "الإفراج الصحي" المنصوص عليها في القانون المصري، وضمان تمكين السجناء من تلقي العلاج الطبي في المستشفيات المتخصصة وعلى نفقة الدولة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة طبية وحقوقية مستقلة لمراجعة أوضاع السجون وظروف الاحتجاز.