مصطفى عبد السلام

رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"

 

"كله استثمار عقاري وسياحي وفندقي، أين المصانع والمستشفيات والمدارس ومشروعات التقنية والذكاء الاصطناعي والطاقة وتوليد الكهرباء واستكشاف النفط والغاز، أين شركات الإنتاج ومشروعات استصلاح الأراضي، أين الاستثمارات التي توفر فرص عمل حقيقية لملايين الشباب، هل من المقبول أن تكون معظم الاستثمارات التي تُضَخ بمليارات الدولارات في مشروعات ريعية وليست إنتاجية، أين المشروعات التي تزيد الصادرات وتكافح الفقر والبطالة والعشوائيات، وتوفر احتياجات الأسواق المحلية من السلع والخدمات؟ هل يعقل أن تكون معظم الاستثمارات موجهة للخارج وليس للمواطن المصري".

 

كان هذا هو تعليق قطاع من المصريين على نوعية الاستثمارات الخليجية المتدفقة على بلادهم في الفترة الماضية، وأحدثها مشروع ضخم لشركة الديار القطرية، الذراع العقاري لصندوق قطر السيادي، تم الإعلان عن توقيعه مع الحكومة المصرية اليوم الخميس، بتكلفة استثمارية 30 مليار دولار.

 

وقبلها تكرر الأمر مع استثمارات سعودية وكويتية وإماراتية وخليجية أخرى جرى الاتفاق بشأنها في الشهور الماضية. والملاحظة هنا أن أغلب تلك الاستثمارات موجهة للقطاع العقاري، سواء كان سياحيًا وفندقيًا، أو تأسيس فيلات ومنتجعات ومراسي يخوت للطبقة الثرية.

 

المشروع القطري الجديد الواقع على بعد 50 كم غرب رأس الحكمة و12 كم شرق مدينة مرسى مطروح، يتضمن إنشاء مدينة سياحية على مساحة 60 ألف فدان. ويشمل المخطط الأولي منه تدشين منتجعات سياحية عالمية، ووحدات سكنية فاخرة، ومراكز تجارية وترفيهية، إضافة إلى مرسى لليخوت ومرافق خدمية متطورة.

 

والإمارات اتفقت مع الحكومة المصرية في فبراير 2024 على تأسيس مشروع رأس الحكمة الضخم بالساحل الشمالي باستثمارات 35 مليار دولار. والمشروع، البالغة مساحته 170.8 مليون متر مربع، عقاري وسياحي بامتياز حيث يستهدف بناء مدن ترفيهية ورياضية، ومرافق سياحية ومنطقة حرة وأخرى استثمارية، إلى جانب مشاريع سكنية وتجارية وترفيهية، وذلك بهدف تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية تجذب نحو ثمانية ملايين سائح إضافي بعد اكتماله.

 

والمتابع للتصريحات الرسمية في مصر يجد أن هناك حديثًا آخر يتداول عن استثمار سعودي ضخم من المقرر ضخه في منطقة رأس جميلة على ساحل البحر الأحمر، وتتجاوز كلفته عشرة مليارات دولار، ويتضمن في مرحلته الأولى، إنشاء عشرة فنادق ومراكز تجارية ومنتجعات ومراسي يخوت وغيرها. لكن هذا المشروع دخل في مرحلة تأجيل ثم حالة غموض في الفترة الماضية لأسباب لم يتم الكشف عنها.

 

وهناك استثمارات كويتية جديدة في مشروعات سياحية تتجاوز المليار دولار، كما تبحث حكومة مصر مع الكويت تفعيل تحويل وديعة الكويت لدى البنك المركزي المصري والبالغة ثلاثة مليارات دولار إلى استثمارات عقارية وسياحية.

 

ومن هنا جاء الانطباع لدى شريحة من المصريين أن معظم الاستثمارات الخليجية التي تقرر ضخها في مصر توجه لتمويل مشروعات ريعية، ولا تعود بالنفع على المواطن والأسواق وقبله الاقتصاد القومي، وهي ملاحظة مهمة، لكن يجب لفت الأنظار هنا إلى أن أي مستثمر، محلي أو عربي وأجنبي، يريد تحقيق عوائد سريعة ومجزية وشبه مضمونة على استثماراته خاصة إذا كانت بمليارات الدولارات، وهو ما يحققه القطاعان العقاري والسياحي، أما الاستثمار في أنشطة خدمية واقتصادية مثل الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والبنية التحتية فهي قطاعات بطيئة العائد وعالية المخاطر. وليس من المطلوب من المستثمر هنا المغامرة بأمواله، أو تحويل مشروعه الاستثماري إلى خدمي وخيري.

 

الأمر الآخر هو أن الاستثمار في القطاعات الخدمية الأخيرة هو مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، والتي يجب أن تضخ استثمارات ضخمة في تلك الأنشطة المرتبطة بالمواطن، وقبلها تهيئة المناخ المناسب لتشجيع المستثمرين على ضخ أموال بها من قوانين محفزة، واستقرار سعر الصرف، وتوفير التمويل ومدخلات الإنتاج بأسعار مقبولة، والحد من الفساد والاحتكارات والمخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، وتوفير بنية تحتية قوية، وغيرها من متطلبات الاستثمار. ومن هنا يجب أن توجه سهام النقد في هذه الجزئية إلى الحكومات وليس إلى المستثمرين.