في تصريحات جريئة قد ترسم ملامح مرحلة جديدة من الجدل السياسي في مصر، قدّم محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، شهادة للتاريخ خلال حواره في بودكast "الحل إيه؟". لم تكن التصريحات مجرد تحليل سياسي عابر، بل كانت بمثابة قراءة عميقة في الفجوة المتسعة بين السلطة والشعب، حيث أرجع نجاح جماعة الإخوان المسلمين في بناء قاعدة شعبية واسعة إلى مبدأ بسيط ولكنه غائب اليوم: "كانوا يخدمون الناس بقلب". هذا الاعتراف، الذي يأتي من سياسي ليبرالي، لا يمثل فقط مدحاً لنهج الإخوان، بل هو في جوهره أقوى نقد يمكن توجيهه للحكومة الحالية التي يبدو أنها استبدلت لغة الخدمة بلغة المصالح والمنفعة، مما أدى إلى تآكل شرعيتها لدى المواطن البسيط.

 

 

"الخدمة بقلب": المفتاح المفقود للشرعية الشعبية

 

كانت كلمات السادات بمثابة طعنة نافذة في قلب فلسفة الحكم الحالية عندما قال إن الآخرين "لو مش هياخد حاجة مش بيخدم". هذا التوصيف الدقيق يعكس شعوراً عاماً بالإهمال لدى قطاعات واسعة من المصريين الذين يرون أن الدولة ومؤسساتها لا تتحرك إلا لخدمة مصالحها الضيقة أو لصالح طبقة محدودة، بينما تُترك الأغلبية لمواجهة مصيرها في ظل ظروف اقتصادية طاحنة. في المقابل، يُعيد السادات التذكير بالنموذج الذي قدمه الإخوان، والذي لم يكن يعتمد على إمكانيات دولة، بل على شبكات مجتمعية وتكافلية نجحت في الوصول إلى المواطن في قريته وحارته، مقدمةً خدمات صحية وتعليمية واجتماعية لم تكن تنتظر منها مقابلاً سياسياً مباشراً، بل كانت تهدف لبناء جسور من الثقة والانتماء. إن هذا النموذج، الذي بنى شرعيته من القاعدة إلى القمة، يقف اليوم كنقيض صارخ لنموذج السلطة الحالي الذي يفرض شرعيته من القمة إلى القاعدة عبر أدوات السيطرة الأمنية والاقتصادية، لا عبر كسب القلوب والعقول.
 

 

دعوة للتغيير في وجه الجمود السياسي

 

لم يكتفِ السادات بتشخيص الأزمة، بل قدم روشتة علاج سياسي حينما صرح بأن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي "أدى ما عليه"، وهي عبارة مهذبة لكنها تحمل في طياتها دعوة صريحة للتغيير ورفض لفكرة استمراره في الحكم. تأتي هذه الدعوة في سياق مناخ سياسي يتسم بالجمود الكامل، حيث تم تحييد المعارضة بشكل شبه كامل، وأصبح البرلمان مجرد واجهة شكلية لتمرير سياسات الحكومة دون نقاش حقيقي. حتى توقعات السادات المتواضعة بأن يشهد برلمان 2025 وجود حوالي 100 نائب معارض أو مستقل تبدو في نظر الكثيرين متفائلة في ظل القيود المفروضة على العمل السياسي. إن دعوة السادات لفتح المجال أمام وجوه جديدة لا تعبر عن رأيه الشخصي فحسب، بل تعكس تياراً خفياً متنامياً في الشارع المصري يشعر بالاختناق السياسي ويرى أن الحلول للأزمات الحالية لا يمكن أن تأتي من نفس الوجوه والسياسات التي أنتجتها.

 

فشل الحكومة: جرح ذاتي بغياب الخدمة وقمع البديل

 

يكشف حوار السادات عن أن فشل الحكومة الحالية مركب ومعقد. فمن ناحية، فشلت في تقديم "الخدمة بقلب" التي تُشعر المواطن بالرعاية والاهتمام، وتركت فراغاً خدمياً هائلاً لم تستطع ملأه عبر مؤسساتها الرسمية. ومن ناحية أخرى، عملت بشكل ممنهج على قمع وتجفيف منابع أي بديل مجتمعي أو سياسي كان يمكن أن يملأ هذا الفراغ، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين. وبهذا، تكون السلطة قد أوقعت نفسها في مأزق، فهي لا تقدم الخدمة التي تكسبها الشرعية الشعبية، وفي نفس الوقت تمنع الآخرين من تقديمها. إن شهادة السادات تعتبر بمثابة جرس إنذار بأن الأنظمة التي تفشل في بناء علاقة عضوية مع شعوبها قائمة على الثقة والخدمة المتبادلة، وتعتمد فقط على القوة، إنما تحكم على نفسها بالعزلة والهشاشة على المدى الطويل.