لم تكن حادثة اعتداء رجل أمن سعودي على معتمر مصري في الحرم المكي، بعد دفاع الأخير عن سيدة تعرضت للدفع،  واعتقاله بعدها، مجرد مشادة فردية عابرة. بل كانت بمثابة شرارة كشفت عن عمق التوترات المكتومة في العلاقات السعودية المصرية، وأضاءت على التحولات الاستراتيجية في المنطقة، حيث برزت الإمارات كلاعب ماهر يجيد استغلال المواقف لتعزيز نفوذه، بينما ظهرت مصر في موقع الخاسر الأكبر الذي يدفع ثمن تراجع مكانته الإقليمية.

 

الحادثة، التي انتشرت كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت من مجرد قضية فردية إلى رمز دال على صفعة ضد ضعف قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

 

 

غضب وتحريم

 

من جهته قال الشيخ سلامة عبدالقوي " شُلّت اليد التي تمتدّ لتضرب امرأة داخل الحرم المكي! فما حدث ليس واقعةً فردية، بل نهجٌ متعمّد من سفهاءٍ أمنوا العقوبة، فتمادوا في إهانة المُحرِمين داخل بيت الله، فلماذا لا تراهم بهذه الجرأة أمام المنحرفين في موسم الرياض؟!".
 

 

وفي تغريدة أخرى أفتى بـ " فتوى في حكم اعتداء فرد الأمن على المُحرِمين داخل الحرم المكي..الاعتداء على الحجاج أو المعتمرين داخل الحرم المكي حرامٌ شرعًا، وإثمه مضاعف لعِظَم المكان والزمان وحرمة الإنسان. قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الحج: 25) ولا يُستثنى من ذلك أحد، حتى فرد الأمن إن ظلم أو اعتدى، فذنبه أعظم؛ لأنه خان الأمانة التي وُكِّل بها، وانتهك حرمة بيت الله الذي أُمِر بحفظه لا بالبطش فيه. وهذا الاعتداء الذي نراه من طرف فرد الأمن على المُحرِم داخل الحرم المكي جريمة محرّمة شرعًا، وإثمها أشد عند الله، ويجب محاسبة فاعلها ومعاقبته بما يردّع غيره؛ لأن العدوان في الحرم ليس كغيره من الأماكن".

 

 

حرمة الحرم والمحرمين فوق كل سلطة، ومن ظلم فيه فقد تحدّى الله عز وجل

 

الباحث في الأديان أحمد دعدوش " انتشر مقطع لشرطي سعودي يسحب امرأة بعنف في الحرم المكي، ثم يمارس بكل فخر وبدون تردد العنف ضد رجل مصري. النتيجة الطبيعية في أي مكان آخر هي محاسبة "فرد الأمن"، أما النتيجة الواقعية هنا فهي معاقبة المعتمر المصري وشنّ حملة وطنجية تطوعية للتبليغ على كل من صوّر الحدث ونشرَه بحجة تشويه صورة الوطن، وفي الوقت نفسه اعتبار المشهد (الذي اعترفوا بأنه يتضمن التشويه) دليلا على أن المجرم هو المصري وليس الشرطي المواطن، وعليه فلا بد لكل وطنجي غيور أن يشارك في حملة #امن_الحرم_خط_احمر والمطالبة بترحيل أولئك الأجانب وخصوصا المصريين -بحسب الحملة- الذين لا يحترمون حرمة الحرم الذي تملكه المملكة السعودية حصرًا. وبهذا المناسبة نعيد طرح السؤال: من يحقّ له امتلاك الحرمين؟".

 

 

الاقتصادي د. مراد علي " ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ﴾ هناك عشرات الآلاف من رجال الأمن في السعودية، والطبيعي أن منهم الحازم بعنف وفيهم الحليم الودود، كما أنهم يتعرضون لملايين الزوار بسلوكياتهم المختلفة وثقافاتهم المتنوعة خاصةً في الحرم المكي. فلا يجب تعميم خطأ واحد منهم لإنكار جهودهم كما لا يجوز كذلك الدفاع عن الخطأ والسخرية من الشعب المصري ، لكن العقل يقتضي حصر الحدث لا استخدامه للوقيعة بين شعبي مصر والسعودية. ومهما كانت خلافات الحكومات، تظل شعوبنا واحدة وتظل رابطة الإسلام تجمعنا..".


 

 

توتر تحت السطح

 

الشرخ السعودي المصري الذي طغا مؤخر سياسيا انعكس بتوتر على المستوى الشعبي، حيث لم يعد الاعتداء على مواطن مصري في السعودية يُنظر إليه كحادث معزول، بل كدليل على تغير النظرة السعودية تجاه مصر، من "الشقيقة الكبرى" إلى مجرد دولة بحاجة للمساعدة، وهو ما يفسر جرأة رجل الأمن وتصرفه العنيف الذي يفتقر لأبسط معايير التعامل مع ضيوف الرحمن.

 

التدخل الإماراتي: خطوة محسوبة

 

في خضم الغضب المصري الرسمي والشعبي، جاء التعليق الإماراتي المتعاطف مع الموقف المصري ليكشف عن أبعاد الصراع الخفي على النفوذ في المنطقة. ظاهريًا، بدا الموقف الإماراتي داعمًا لمصر في وجه ما اعتبره المصريون إهانة، لكن في جوهره، كان خطوة سياسية محسوبة بعناية. فمن خلال هذا التعليق، حققت الإمارات عدة مكاسب، فهي من ناحية، قدمت نفسها كحليف أكثر موثوقية للقاهرة مقارنة بالرياض، مما يعزز من نفوذها السياسي والاقتصادي داخل مصر.

 

مصر: الخاسر الأكبر في المعادلة

 

في هذه الحادثة، تجد مصر نفسها في موقف لا تحسد عليه، يجعلها الخاسر الأكبر على كافة المستويات. على الصعيد الرسمي، تجد الحكومة المصرية نفسها مقيدة، فهي لا تستطيع اتخاذ موقف حازم وقوي يحفظ كرامة مواطنيها خوفًا من خسارة الدعم الاقتصادي السعودي الذي هي في أمس الحاجة إليه.