في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، وأهمية توجيه الموارد المالية إلى القطاعات الحيوية، تستمر محافظة القاهرة في تنفيذ مشروعات تطوير الطرق والكباري الجديدة، على رأسها مشروع إنشاء مطلع جديد لكوبري أكتوبر من ميدان رمسيس، بهدف مواجهة الازدحام المروري في واحدة من أكثر المناطق ازدحامًا بالعاصمة. يأتي هذا المشروع ضمن خطة شاملة لتطوير البنية التحتية للنقل، في وقت تنتظر فيه قطاعات أخرى مثل التعليم والصحة دعماً عاجلاً.


خلفية المشروع: لماذا مطلع جديد لكوبري أكتوبر؟


أعلن د. إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، عن بدء تنفيذ مشروع مطلع جديد لكوبري أكتوبر من ميدان رمسيس، في خطوة تهدف إلى تخفيف حدة الازدحام المروري الشديد الذي يصيب المنطقة الحيوية. يعتبر ميدان رمسيس نقطة وصل رئيسية في شبكة النقل بالقاهرة، حيث يشهد تدفقًا يوميًا لكثير من السيارات والركاب، ويتسبب في توقف مرور السيارات ساعات طويلة تؤثر على الحركة الاقتصادية والخدمية.


يركز المشروع على خلق ممر جديد يربط الميدان بكوبري أكتوبر، يسمح بتدفق السيارات بشكل أسرع ومنظم، ويهدف إلى رفع كفاءة حركة المرور وتسهيل التنقل، وتخفيف الاختناقات المرورية التي تنتج عن كثافة الزحام. ويأتي ضمن خطط تطوير الطرق والكباري التي أطلقتها محافظة القاهرة على مدار الأعوام الأخيرة، والتي كانت محط اهتمام كبير من الحكومة. مع ذلك، فإن هذا الاتجاه يثير تساؤلات حول جدوى استمراره بما يتناسب مع الأولويات التنموية للمحافظة.


واقع المرافق والخدمات الأساسية في محافظة القاهرة


يأتي ذلك فيما يعاني قطاع التعليم في القاهرة من نقص حاد في المدارس ومرافق التعليم الأساسية، مع أعداد متزايدة من الطلاب في ظل نمو سكاني مستمر. تشير الإحصائيات إلى أن العديد من الأحياء تعاني من اكتظاظ شديد في الفصول الدراسية، وتدني جودة التعليم، فضلاً عن نقص في الكوادر التعليمية الحديثة والبنية التحتية الملائمة. وكذلك الحال في قطاع الصحة، حيث يواجه آلاف المواطنون مشاكل في الحصول على خدمات طبية شاملة وميسرة، مع نقص في المستشفيات العامة والتخصصية وانتشار طويل في قوائم الانتظار للعلاج.


تلك الظروف تعني أن المحافظات مثل القاهرة، التي تضم أكثر من 10 ملايين نسمة، تحتاج إلى تدفق مالي مستمر لتطوير هذه القطاعات الحيوية التي تشكل أساس التنمية المستدامة وجودة حياة المواطنين.


جدل الأولويات: هل يستحق النقل هذا الحجم من التمويل؟


رغم أهمية تطوير البنية التحتية للنقل لتسهيل الحركة داخل المدينة، إلا أن استمرار ضخ الأموال في مشروعات الطرق والكباري أثار الكثير من الانتقادات، خاصةً أن هذه الاستثمارات تتم على حساب تحسين التعليم والصحة، اللذين يعانيان من أزمات مزمنة. كما تشير خبرات السنوات الماضية إلى أن مشروعات الكباري والطرق الجديدة غالبًا ما تقدم حلولاً مؤقتة وليست جذرية للتكدسات المرورية، مما يضاعف الحاجة إلى المزيد من الإنفاق دون ضمان تحسين كبير على المدى الطويل.


يرى الخبراء أن الأولويات التنموية يجب أن تتوازن عبر تخصيص الموارد بطريقة تحقق أعلى فوائد اجتماعية. على سبيل المثال، بناء مدرسة جديدة أو مستشفى يمكن أن يخدم آلاف الأسر ويسهم في تحسين حياة المواطنين بشكل مباشر مقارنة بتحسين مروري قد يكون مؤقتاً.


الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لإنشاء الكباري


تتطلب مشروعات الكباري الحديثة أموالاً كثيرة من ميزانية المحافظة التي تعاني بدورها من تراجع الموارد. وفي ظل أزمات اقتصادية تشمل ارتفاع كلفة المعيشة وتضخم الأسعار، يصبح توجيه جزء كبير من هذه الأموال للطرق أمرًا مثيرًا للجدل. بينما قد يحسن المشروع من حركة المرور، فإنه في الوقت ذاته يترك خلفه قطاعًا تعليميًا وصحيًا يعاني من نقص في التمويل، مما يؤثر على التنمية الاجتماعية بشكل سلبي.


كما يثير استمرار مشاريع الطرق والكباري المخاوف حول ضعف التخطيط الحضري الشامل الذي لا يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية المتوازنة لمواطني العاصمة.