وافقت حكومة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، على رفع أسعار العائد على التمويلات العقارية ضمن مبادرتي التمويل العقاري المخصصتين لتلك الفئات، في قرار يعكس توجهًا حكوميًا لتقليص الدعم المالي وتخفيف أعباء الموازنة، لكنه في المقابل يضيف عبئًا ماليًا متزايدًا على المواطنين الذين يكافحون لتأمين سكنٍ لائق في ظل تضخمٍ يلتهم الدخول وارتفاع تكاليف المعيشة، في خطوة وصفت بأنها "مؤلمة" للطبقات الوسطى ومحدودة الدخل.

وبحسب بيان البنك المركزي الصادر أمس، فقد ارتفعت الفائدة في مبادرة التمويل العقاري لمحدودي الدخل من 3% متناقصة إلى 8% متناقصة، بينما جرى رفعها لمتوسطي الدخل من 8% إلى 12% متناقصة.

هذا التغيير المفاجئ أثار قلقًا واسعًا بين الراغبين في الحصول على وحدات سكنية ضمن المبادرة، خاصة مع طول فترات السداد التي تمتد بين 20 إلى 30 عامًا، ما يجعل حتى الفروق البسيطة في الفائدة ذات أثر كبير على إجمالي التكلفة النهائية.

 

من دعم إلى تحميل المواطن الكلفة

وكان البنك المركزي قد أطلق في عام 2021 مبادرة التمويل العقاري الميسر بقيمة 100 مليار جنيه، بفائدة متناقصة 3% وفترة سداد تصل إلى 30 عامًا، بهدف تسهيل تملك السكن للفئات الأكثر احتياجًا.

لكن منذ عام 2022، وبعد توصيات صندوق النقد الدولي، تم نقل مسؤولية دعم فروق الفائدة من البنك المركزي إلى الحكومة، في إطار سياسات التقشف المالي وتقليص الدور التمويلي للبنك المركزي، وهو ما مهّد الطريق تدريجيًا لتقليص الدعم وتحميل المستفيدين عبء الفوائد المرتفعة.

وفي الوقت الذي كان من المتوقع أن تستفيد الأسر من اتجاه البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة الأساسي على الإقراض بمقدار 6.25% منذ بداية العام، جاء القرار الحكومي معاكسًا للتوقعات، إذ رفع العائد على التمويل العقاري بدلاً من تخفيضه، مما يقلل فرص تملك السكن ويزيد الضغوط على ميزانيات الأسر.

 

"العبء أصبح ثقيلًا".. شهادات من داخل القطاع

يقول مصدر في إدارة الائتمان بالبنك الأهلي، طلب عدم ذكر اسمه، إن "الحكومة تحملت خلال الفترات الماضية فروق فائدة تجاوزت 30%، لكن هذا الإجراء الجديد يهدف إلى تقليل الأعباء على الموازنة العامة وليس على المواطن".

ويضيف المصدر: "الدولة ما زالت تتحمل فروقًا تتراوح بين 24% و25% في أغلب المبادرات، لكن رفع فائدة التمويل العقاري يجعل الكلفة النهائية على المواطن أعلى، خاصة في ظل استمرار الغلاء وارتفاع أسعار مواد البناء".

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي د. مصطفى شرف أن القرار "يعكس تحولًا في فلسفة الدعم الحكومي"، موضحًا أن "الدولة لم تعد قادرة على تحمل أعباء المبادرات بنفس المستوى السابق، لكنها لم تضع حلولًا بديلة لحماية الفئات المتضررة من ارتفاع الفوائد".

ويضيف شرف أن "رفع الفائدة بهذا الشكل قد يؤدي إلى تباطؤ الإقبال على التمويل العقاري، وبالتالي تراجع نشاط قطاع البناء والتشييد الذي يعد أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد".

 

الطبقة الوسطى بين المطرقة والسندان

يُعد هذا القرار ضربة جديدة للطبقة الوسطى التي تواجه ضغوطًا معيشية متزايدة نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وانخفاض القوة الشرائية للجنيه.

ففي الوقت الذي كانت المبادرات العقارية تمثل أملًا في امتلاك سكن كريم بأقساط معقولة، أصبحت الشروط الجديدة أكثر صعوبة، مما يهدد بتحول الحلم إلى عبء طويل الأمد.

تقول منى عبدالعزيز، وهي موظفة حكومية كانت تستعد للتقديم في مبادرة متوسطي الدخل، إن "القرار جاء كالصاعقة"، مضيفة:

"كنت بحسب أقساط على فائدة 8%، وكنت بالعافية أقدر ألتزم بيها، لكن لما تبقى 12% متناقصة، ده معناه إن الشقة هتكلفني زيادة عشرات الآلاف، وأنا أصلاً دخلي ثابت والأسعار بتزيد كل يوم".