كشف تحقيق خاص أجرته وكالة رويترز عن عملية سرية نفذها نظام بشار الأسد بين عامي 2019 و2021، لطمس أدلة على جرائم قـ.ـتل جماعية، في وقت كان يسعى فيه إلى إعادة تأهيل نظامه على الساحة الدولية.
أُطلق على العملية اسم "نقل الأرض"، وتضمنت نبش مقبرة جماعية ضخمة ومعروفة في منطقة القطيفة بالقرب من دمشق، ونقل عشرات الآلاف من الجثـ.ـث إلى موقع صحراوي سري ناءٍ بالقرب من مدينة الضمير، على بعد أكثر من ساعة.
تفاصيل عملية "نقل الأرض"
وفقًا للتحقيق الذي استند إلى شهادات 13 شخصًا كانوا على علم مباشر بالعملية، بالإضافة إلى وثائق وصور مئات الأقمار الصناعية، بدأت فكرة العملية في أواخر عام 2018. في ذلك الوقت، كان الأسد على وشك تحقيق نصر حاسم في الحرب الأهلية السورية، وبدأ يسعى لاستعادة الشرعية الدولية بعد سنوات من العزلة والعقوبات بسبب اتهامات بارتكاب فظائع.
صرح ضابط سابق في الحرس الجمهوري لرويترز بأن الهدف كان "محو الأدلة" على عمليات القـ.ـتل الجماعي في مقبرة القطيفة. واستمرت العملية على مدار عامين، من فبراير 2019 إلى أبريل 2021، حيث كانت ما بين ست إلى ثماني شاحنات تنقل حمولتها من التراب والرفات البشري بشكل شبه ليلي، بمعدل أربع ليالٍ في الأسبوع تقريبًا.
كان نظام الأسد قد بدأ باستخدام موقع القطيفة كمقبرة جماعية في عام 2012 لدفن جثـ.ـث معتقلين وجنود لقوا حتفهم في السجون والمستشفيات العسكرية. وبحلول وقت سقوط النظام في ديسمبر 2024، كانت جميع الخنادق الستة عشر في الموقع قد أُفرغت بالكامل.
الموقع السري الجديد
أنشأ النظام في الموقع الصحراوي الجديد بالقرب من الضمير ما يُعتقد أنها واحدة من أوسع المقابر الجماعية خلال الحرب السورية. يحتوي الموقع على ما لا يقل عن 34 خندقًا يبلغ طولها مجتمعة حوالي كيلومترين، ويُحتمل أنها تضم عشرات الآلاف من الجثـ.ـث. وقد تعمدت رويترز عدم الكشف عن الموقع الدقيق للمقبرة الجديدة "لتقليل فرص العبث بها".
إرث المفقودين والجثـث المجهولة
تُقدر منظمات حقوقية سورية أن أكثر من 160 ألف شخص قد اختفوا قسريًا في شبكة سجون ومعتقلات نظام الأسد، ويُعتقد أن مصيرهم انتهى في مقابر جماعية مماثلة. يمثل الكشف عن هذه العملية كارثة إضافية للعائلات التي لا تزال تبحث عن أحبائها المفقودين، حيث إن نقل الرفات بهذه الطريقة يعقّد بشكل هائل من إمكانية التعرف على هوية الضحايا وإعادة رفاتهم إلى ذويهم في المستقبل.
بعد سقوط نظام الأسد، أقرت الحكومة الجديدة بحجم المأساة، حيث صرح رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، محمد رضا جهلكي، بوجود "جرح نازف" طالما أن الأمهات والزوجات والأطفال ينتظرون معرفة مصير أبنائهم. وأعلنت الهيئة عن خطط لإنشاء بنك للحمض النووي وقاعدة بيانات رقمية لمساعدة العائلات، لكنها تواجه تحديات هائلة بسبب نقص الموارد والخبرات الفنية اللازمة لعمليات النبش والتحليل المنهجي.
تبقى هذه العملية السرية شاهدًا على حجم الجرائم التي حاول نظام الأسد إخفاءها، وتضيف طبقة جديدة من التعقيد أمام جهود تحقيق العدالة وكشف مصير مئات الآلاف من ضحايا الحرب في سوريا.