في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده، التي تصادف اليوم السادس عشر من أكتوبر 2025، تعود سيرة يحيى السنوار، القائد السابق لحركة حماس في قطاع غزة ومهندس عملية "طوفان الأقصى"، لتتصدّر المشهد بقوة. عامٌ مضى على استشهاده في اشتباك مسلح جنوب قطاع غزة، لكن إرثه كأحد أكثر الشخصيات تأثيرًا وجدلاً في تاريخ المقاومة الفلسطينية الحديثة لا يزال حيًّا، يتردد صداه بين مؤيديه الذين يرونه أيقونة ثورية، ومعارضيه الذين يعتبرونه رمزًا للعنف.

 

يحيى السنوار: سيرة قائد من قلب المخيم

وُلد يحيى إبراهيم حسن السنوار في 29 أكتوبر 1962 داخل أزقة مخيم خان يونس للاجئين، حاملاً معه ذاكرة عائلته التي هُجّرت من مدينة مجدل عسقلان المحتلة عام 1948. هذه النشأة في قلب اللجوء الفلسطيني شكلت وعيه السياسي مبكرًا، ودفعته نحو الانخراط في صفوف الحركة الإسلامية الوليدة آنذاك. تخرج السنوار من الجامعة الإسلامية في غزة، وسرعان ما برز كشخصية قيادية صلبة داخل حركة حماس، ليصبح أحد مؤسسي جهازها الأمني الأول "مجد"، ومن ثم أحد أبرز مؤسسي جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام.

مسيرته النضالية قادته إلى الاعتقال على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1988، حيث حُكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات. داخل السجون، أمضى السنوار 22 عامًا، تحول خلالها إلى قائد بارز للأسرى، يُعرف بصلابته وقدرته على التفاوض مع إدارة السجون. هذه الفترة الطويلة من الأسر لم تكسر إرادته، بل صقلت شخصيته القيادية وجعلته رمزًا للصمود في عيون الفلسطينيين.

في عام 2011، تنفس السنوار نسيم الحرية مجددًا بعد الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. عودته إلى غزة لم تكن عادية، بل كانت بداية صعوده السريع في هرم قيادة حماس. انتُخب قائدًا للحركة في قطاع غزة عام 2017، وبعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران في يوليو 2024، تولى السنوار قيادة المكتب السياسي لحركة حماس، ليصبح القائد العام للحركة في مرحلة هي الأكثر دقة وتعقيدًا في تاريخها.

 

مهندس "طوفان الأقصى" والمشهد الأخير

يُنظر إلى السنوار على نطاق واسع باعتباره العقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، العملية التي هزت أركان المنظومة الأمنية الإسرائيلية وأعادت تعريف قواعد الصراع. هذا الدور وضعه على رأس قائمة المطلوبين لإسرائيل، التي شنت حربًا مدمرة على قطاع غزة بهدف معلن هو القضاء عليه وعلى قيادة حماس.

بعد عام من المطاردة، وفي يوم الأربعاء 16 أكتوبر 2024، انتهت رحلة السنوار. استشهد خلال اشتباك مسلح مع قوة خاصة إسرائيلية في مبنى مدمر بمدينة رفح. الرواية الإسرائيلية الرسمية وصفت العملية بأنها جاءت نتيجة "مواجهة عشوائية وغير مخطط لها"، حيث لم تكن القوة تعلم بوجوده في الموقع. وبعد ساعات من الغموض، أكد الجيش الإسرائيلي مقتله، ونشر لاحقًا مقطع فيديو يظهر السنوار في لحظاته الأخيرة، وهو يحاول مقاومة طائرة مسيّرة بعصا يحملها، قبل أن ينهار المبنى عليه.

حركة حماس نعت قائدها في اليوم التالي، مؤكدةً أنه استشهد "بطلاً مقبلاً غير مدبر، وهو يقاتل في الصفوف الأمامية"، ليتحول مشهد رحيله إلى جزء من السردية البطولية التي يرويها أنصاره.

 

شهادات في حق القائد

في ذكرى استشهاده، جددت حركة حماس العهد على مواصلة طريقه، وجاء في بيانها: "نم قرير العين يا قائدنا، فجذوة الطوفان التي أوقدتها لن تخبو، وستبقى دماؤك ودماء كل القادة الشهداء منارة تضيء لنا وللأجيال القادمة طريق المقاومة حتى التحرير والعودة".

وقال القيادي في حماس، باسم نعيم، في تصريح له: "استشهاد القائد يحيى السنوار لن يزيدنا إلا قوة وصلابة وتمسكًا بنهجه المقاوم. لقد علّمنا أن القادة يجب أن يكونوا في المقدمة، وأن الشهادة هي أسمى أمانينا".


خط زمني لأهم محطات حياته

  • 1962: الولادة في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة.
  • 1988: اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والحكم عليه بالسجن المؤبد.
  • 2011: الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار".
  • 2017: انتخابه قائدًا لحركة حماس في قطاع غزة.
  • 2023: قيادته لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر.
  • 2024 (أغسطس): انتخابه رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس خلفًا لإسماعيل هنية.
  • 2024 (16 أكتوبر): استشهاده في اشتباك مسلح مع قوات إسرائيلية في رفح.