تطرح جامعة سنت اوجستين للعلوم الصحية فكرة أن كتابة اليوميات ليست مجرد عادة لطيفة أو وسيلة لتسجيل الذكريات، بل أداة قوية تدعم الصحة النفسية، وتعزز الأداء الدراسي، وتبني الثقة بالنفس لدى الطلاب. يشعر كثير من الناس بالحاجة إلى الكتابة عند السفر أو أثناء المرور بتجارب صعبة أو لحفظ لحظات مهمة من حياتهم، لكن الطالب على وجه الخصوص يجد في اليوميات مساحة آمنة للتفريغ والتفكير والنمو. عندما يدوّن الطالب أفكاره ومشاعره وتجاربه بشكل منتظم، يبدأ في فهم نفسه بعمق أكبر، ويرى التحديات التي تواجهه بصورة أوضح، ويتخيل الحلول بدلًا من الغرق في القلق.

 

وأشارت الجامعة في مقال نشرته على موقعها الإلكتروني في سياق الحديث عن فوائد التدوين إلى أن وضع القلم على الورق يساعد على تهدئة العقل وتقليل التوتر والقلق، بينما يخفف من أعراض الاكتئاب أيضًا. تظهر المشكلات الداخلية والمخاوف فور كتابتها، ما يمنح العقل فرصة للتعامل معها بوعي بدلًا من دفنها. كما يمنح تدوين المواقف بطريقة ساخرة أو تسجيل لحظات مضحكة مساحة للضحك، والضحك هنا يتحول إلى علاج حقيقي يخفف ضغط الحياة اليومية.

 

تزداد ثقة الطالب بنفسه مع انتظامه في التدوين، لأن تنظيم الأفكار والمواعيد والمهام يعزز الشعور بالسيطرة على الوقت والواجبات. عندما يرى الطالب المهام مكتوبة ومقسّمة وقابلة للإنجاز، يشعر بقدرته على التعامل مع المسؤوليات المختلفة. كذلك تدعم اليوميات ممارسة الحديث الإيجابي مع النفس، وهو ما يعيد تشكيل الصورة الذاتية ويقوي العلاقة مع الذات بعيدًا عن النقد القاسي.

 

تسهم كتابة اليوميات أيضًا في رفع مستوى الذكاء العاطفي، لأن تدوين المشاعر بصدق وبدون أحكام يكشف المحفزات الحقيقية للمشاعر ويفضح الأسباب الخفية وراء الغضب أو الحزن أو الحماس. تبدأ رحلة الاكتشاف الذاتي من صفحة بسيطة، لكنها تقود إلى فهم أعمق لنقاط القوة والضعف والبيئات التي تمنح الطالب طاقة أو تستنزفه.

 

عند الحديث عن الأهداف، يلعب التدوين دورًا جوهريًا في تحويل الفكرة إلى واقع. كتابة الهدف تجعل له وزنًا، وتجعل العقل ينظر إليه كشيء ممكن التحقيق. يساعد دفتر اليوميات على وضع أهداف واضحة ومحددة وقابلة للقياس ويمكن إنجازها خلال فترة زمنية معينة، مع ربطها بقيمة حقيقية في حياة الطالب. يساعد الرجوع المستمر إلى هذه الأهداف على مراقبة التقدم وتعديل المسار عند الحاجة.

 

تنبع من الكتابة طاقة إبداعية متدفقة، لأن اليوميات تفتح باب التعبير الحر بلا قيود. يمكن تدوين أفكار سريعة، أو مشاهد متخيلة، أو مشاعر عميقة، وكلها تشكّل وقودًا للإبداع. يستطيع الطالب استخدام أسلوب تيار الوعي، فيكتب دون توقف ما يدور في ذهنه، أو يحتفظ بدفتر بصري يرسم فيه أو يخط أفكارًا شكلية وألوانًا تعبر عن عالمه الداخلي.

 

تتحسن الذاكرة بوضوح عندما تُكتب الأفكار باليد، إذ يثبت العلم أن الحركات الجسدية المرتبطة بالكتابة تعزز تخزين المعلومات في الدماغ. يسهم الرجوع إلى الملاحظات المكتوبة لاحقًا في استدعاء الأفكار بسهولة وربطها بأهداف وخطط مستقبلية.

 

تقوّي اليوميات مهارات التفكير النقدي، لأنها تدرب الدماغ على التحليل والتأمل وربط الأحداث بالأسباب والنتائج. يسأل الطالب نفسه: لماذا حدث هذا؟ وماذا يعني؟ وكيف يمكن أن أغيّره؟ هذا النوع من الأسئلة العميقة يكوّن عقلًا واعيًا قادرًا على التقييم واتخاذ القرار.

 

تتحسن النتائج الأكاديمية كذلك، لأن الطالب الذي يربط بين ما يتعلمه في قاعة الدراسة وبين حياته اليومية من خلال دفتر التعلم، يفهم المعلومات بعمق أكبر ويتذكرها لمدة أطول. تنعكس هذه العملية في أداء أفضل في الاختبارات وارتفاع المعدل التراكمي في كثير من الحالات.

 

ولا تقتصر الفوائد على العقل فقط، بل تمتد إلى الجسد أيضًا. تشير التجارب إلى تحسن في بعض المؤشرات الصحية مثل ضغط الدم ووظائف المناعة وحتى الأداء الرياضي عند الأشخاص الذين يمارسون الكتابة التعبيرية بانتظام.

 

من جهة أخرى، تطور اليوميات مهارات التواصل والكتابة، لأن تنظيم الأفكار على الورق ينعكس على القدرة على التعبير الشفهي. يتعلّم الطالب اختيار الكلمات بدقة، وبناء جمل أكثر قوة ووضوحًا، وتكوين صوت كتابي مميز يعكس شخصيته وأفكاره.

 

تتنوع أشكال اليوميات التي يمكن للطلاب استخدامها للنمو الشخصي والدراسي. يناسب دفتر النقاط السريعة من يحب القوائم والتنظيم اليومي. يساعد دفتر النقل المعرفي على ربط المفاهيم الدراسية بالمستقبل. يسهل دفتر الأسئلة الخمسة «من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟» عملية الفهم والتذكر. ينعش دفتر الامتنان الروح وسط ضغط الدراسة. ينمّي الدفتر ثنائي الأعمدة مهارة التحليل والربط بين الأفكار، بينما يمنح دفتر الأسئلة مساحة للتفكير العميق. يدعم دفتر القراءة تثبيت المعلومات وربطها بالتجارب، في حين يسمح دفتر الأفكار بتفريغ الذهن بحرية مطلقة.

 

في عالم سريع الإيقاع، تتحول اليوميات إلى مرساة هادئة تربط الطالب بذاته، وتمنحه صوتًا داخليًا أكثر وضوحًا، وطريقًا أكثر وعيًا نحو النجاح الأكاديمي والإنساني.



https://www.usa.edu/blog/ways-journaling-benefits-students/