بعدما أقرّ البرلمان مشروع قانون الإيجار القديم، مع تعديل طفيف في المادة الثامنة فقط، رغم تحذيرات نقابات مهنية، وأحزاب معارضة، ومنظمات حقوقية، وخبراء في العمران، بشأن التداعيات السلبية للقانون على المستأجرين، بدأت أزمة تلوح في الأفق وهي أصحاب العيادات الطبية والصيدليات.

يأتي هذا الإقرار دون مناقشة مجتمعية حقيقية، ما يجعل الحكومة تتحمل المسؤولية المباشرة عن أزمة محتملة قد تنتج عن إغلاق آلاف المنشآت الصحية في مختلف أنحاء الجمهورية، خصوصًا في المناطق الشعبية والريفية.

 

فترة التراخيص وخطر الإخلاء

ينص القانون على فترة انتقالية مدتها خمس سنوات قبل إنهاء عقود الإيجار للوحدات غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، بما في ذلك العيادات والصيدليات. غير أن خبراء ونقابات مهنية اعتبروا أن هذه المهلة غير كافية لمواجهة التعقيدات العملية والمالية المرتبطة بنقل أو تأسيس منشآت جديدة.

تعتبر تراخيص الصيدليات أحد العوامل الأساسية لاستمرارها في تقديم الخدمات الصحية، إذ أن نقل الصيدلية إلى موقع جديد بموجب القانون الجديد ليس أمرًا بسيطًا. فطبقًا للقانون، انتهاء عقد الإيجار بعد خمس سنوات سيجبر الكثير من الصيادلة على الانتقال إلى مواقع بديلة، إلا أن الحصول على تراخيص جديدة يتطلب إجراءات طويلة ومعقدة تشمل مطابقة المعايير الصحية والهندسية، والحصول على موافقات الجهات الرقابية المختلفة. وفي المناطق الشعبية والقديمة، قد يكون من المستحيل العثور على عقارات جديدة مؤهلة للحصول على تراخيص، ما يعني أن تطبيق القانون سيؤدي عمليًا إلى إغلاق عدد كبير من الصيدليات، وفقدان المواطنين لحقهم في الوصول إلى الدواء والخدمات الأساسية بسهولة.

الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب الأطباء ورئيس اتحاد نقابات المهن الطبية، أشار إلى أن المادة الثانية من القانون تشكل خطرًا مباشرًا على استقرار القطاع الصحي، مؤكّدًا أن نقل العيادات أو الصيدليات إلى مواقع جديدة يتطلب تراخيص طويلة ومعقدة، إضافة إلى أعباء مالية ونفسية كبيرة، قد تؤدي إلى فقدان الثقة الطويلة بين الأطباء ومرضاهم.

 

الزيادات الإيجارية تهدد الإغلاق

المادة الخامسة من القانون تنص على زيادة القيمة الإيجارية إلى خمسة أضعاف القيمة الحالية، رغم أن هذه الوحدات خضعت سابقًا لسلسلة من الزيادات القانونية، بما فيها القانون رقم 6 لسنة 1997. ويؤكد عبد الحي أن تطبيق هذه الزيادة سيؤدي حتمًا إلى إغلاق آلاف العيادات والصيدليات، أو دفع الأطباء والصيادلة إلى رفع أسعار الخدمات الطبية، ما يضاعف العبء على المواطنين في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.

 

الإحصاءات: حجم الأزمة المحتملة

تشير الإحصاءات إلى أن نحو 21 ألف عيادة من أصل 99 ألفًا، ونحو 30 ألف صيدلية من أصل 90 ألفًا على مستوى الجمهورية، قد تتأثر مباشرة بتطبيق القانون، خاصة في المناطق الشعبية والقرى. وتعتمد هذه المناطق على الخدمات الصحية بأسعار منخفضة تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين، ما يجعل أي إغلاق صيدليات أو عيادات تهديدًا مباشرًا للوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية.

 

الأعباء المالية على الأطباء والصيادلة

الدكتور محمد بدوي، طبيب أسنان وعضو مجلس نقابة أطباء الأسنان سابقًا، أوضح أن المستأجرين دفعوا مبالغ كبيرة مقابل “خلو الرجل” عند فتح العيادات في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، تصل أحيانًا إلى قيمة شراء وحدة سكنية كاملة في مناطق حديثة مثل مدينة نصر. وبالتالي فإن الإيجار الحالي يُعد بمثابة بدل رمزي للصيانة فقط، بينما يتحمل المستأجر تكاليف الصيانة كاملة.

 

تأثير القانون على المواطنين

محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، حذر من أن القانون يشكل “قنبلة موقوتة” تهدد السلم الاجتماعي واستقرار منظومة الرعاية الصحية الأولية. فالصيدليات والعيادات في المناطق الشعبية تعتبر الملاذ الأول للمواطنين محدودي الدخل، الذين يعتمدون على قرب المكان والثقة مع الطبيب أو الصيدلي. وأشار إلى أن نحو 88 ألف صيدلية على مستوى الجمهورية تعاني ركودًا اقتصاديًا منذ عام 2020، وبعضها أُجبر على الإغلاق بالفعل، ما يجعل تطبيق القانون بهذا الشكل خطراً مزدوجاً على المستفيدين من الرعاية الصحية.

 

صعوبة نقل المنشآت الصحية

نقل المنشآت الصحية ليس أمرًا بسيطًا، بل يخضع لإجراءات تنظيمية مطوّلة ومعقدة، إضافة إلى كونه مكلفًا بشكل كبير. تطبيق الإخلاء بعد خمس سنوات سيؤدي إلى تهديد استقرار العيادات والمنشآت الصحية، إذ أن تأسيس منشأة طبية يتطلب استثمارات ضخمة وتجهيزات مكلفة، وتحتاج إلى فترة طويلة لتحقيق العائد. وفي ظل غياب بدائل مناسبة، فإن كثيرًا من المنشآت الصحية لن تتمكن من الاستمرار أو تجديد تراخيصها، ما يهدد المنظومة الصحية برمتها.

 

تهديد مباشر للأمن الصحي

القانون الجديد لم يحقق التوازن المزعوم بين حقوق المالك والمستأجر، بل منح الأولوية لمصالح محددة على حساب المواطنين، ويمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الصحي في البلاد، ويضع آلاف المواطنين في مواجهة صعوبة الوصول إلى خدمات صحية أساسية بأسعار مناسبة، خصوصًا في المناطق الشعبية والريفية. الإصرار على تطبيق القانون بهذه الصيغة، دون مراعاة التداعيات، يضع القطاع الصحي أمام تحديات جسيمة تهدد استقرار الخدمة الصحية واستمرار تقديم الرعاية الأساسية للمواطنين.