في الوقت الذي شهدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة حدثاً استثنائياً تمثل في انسحاب جماعي لأكثر من مئة دبلوماسي من خمسين دولة احتجاجاً على خطاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اختارت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تذهب عكس هذا التيار الدولي، لتبقى حتى نهاية الخطاب وتتبعه بلقاء رسمي مع نتنياهو. خطوة اعتبرها مراقبون أنها منحت الأخير طوق نجاة سياسي في لحظة عزلة غير مسبوقة.
حضور يثير الجدل
بخلاف معظم الوفود العربية والغربية التي غادرت القاعة تاركة نتنياهو أمام مقاعد شبه فارغة، جلس الوفد الإماراتي بكامل أعضائه حتى نهاية كلمته، بل وتفاعل مع بعض مقاطعها، في مشهد أثار موجة من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الموقف. وسرعان ما انتشر على وسائل التواصل وسم “#الإمارات_تكسر_العزلة”، متصدراً النقاشات الساخنة حول جدوى الاصطفاف بجانب حكومة متهمة بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
لقاء رسمي على هامش الكارثة الإنسانية
بعد ساعات من الخطاب، عقد وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد اجتماعاً مغلقاً مع نتنياهو بحضور لانا نسيبة، وزيرة الدولة، ومحمد آل خاجة سفير أبوظبي لدى الاحتلال. اللقاء لم يكن عابراً، بل رسالة واضحة أن الأمر يمثل توجهاً مؤسسياً في السياسة الإماراتية.
ووفق بيان رسمي، شدد بن زايد على “ضرورة إنهاء الحرب في قطاع غزة والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار”، وهي صياغة دبلوماسية مألوفة لم تخفِ دلالات الصورة التي جمعت وزيراً عربياً برئيس حكومة تُتهم بارتكاب جرائم حرب.
ازدواجية في الخطاب الإماراتي
الإمارات، التي لا تزال تؤكد التزامها بـ”حل الدولتين” ورفضها لاستمرار الحرب، تبدو عملياً متمسكة بخطوط التواصل مع تل أبيب مهما اشتدت الأزمات. ورغم تصريحاتها الغاضبة بعد قصف الدوحة وإلغاء مشاركة شركات إسرائيلية في معرض دبي للطيران، سرعان ما عادت أبوظبي إلى مسار اللقاءات الرسمية.
هذا التباين بين لغة الاحتجاج وإدامة العلاقات يعكس، بحسب محللين، أولوية الإمارات في حماية مسار التطبيع حتى لو جاء ذلك على حساب صورتها العربية والإسلامية في زمن المجازر اليومية في غزة.
الرسائل المبطنة
يحمل اللقاء أكثر من إشارة سياسية:
- طمأنة إسرائيل: أن أبوظبي لن تذهب بعيداً في التصعيد رغم التصريحات الإعلامية.
- رسالة للغرب: أن الإمارات لا تزال شريكاً يمكن التعويل عليه في تمرير مسارات “السلام الإقليمي”.
- إشارة للعالم العربي: محاولة إظهار “براغماتية” سياسية، لكنها تتعارض مع الغضب الشعبي العربي من استمرار الإبادة في غزة.
على أنقاض الضحايا
اللقاء الإماراتي ـ الإسرائيلي تزامن مع أكثر أيام غزة دموية: آلاف الشهداء، بينهم أطفال وأطباء وصحفيون، وملايين النازحين الذين يفتشون عن ملجأ أو رغيف خبز. وبينما دفنت غزة أبناءها تحت الركام، تصدرت شاشات العالم صورة وزير عربي يجلس إلى جانب نتنياهو، في لحظة رآها كثيرون وكأنها استخفاف بدماء الفلسطينيين وخيانة لرمزية التضامن الدولي الذي تجلّى بانسحاب الوفود.