في الأيام الأخيرة عاد ملف اللاجئين السوريين في مصر إلى الواجهة، ليس باعتباره قضية إنسانية تستحق التعاطي بجدية ومسؤولية، بل كورقة ضغط وتسول سياسي. الإعلامي الموالي للسلطة أحمد موسى خرج عبر برنامجه ليطالب بضرورة تحرك الدولة لإجبار السوريين على العودة إلى بلادهم، مستشهداً بما قال إنه "مهلة أميركية" من 60 يوماً لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. تصريحاته جاءت متزامنة مع خطاب وزير الخارجية بدر عبد العاطي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قدّم مصر كدولة "تتحمل ما يفوق طاقتها" باستضافة أكثر من عشرة ملايين لاجئ، في سياق أشبه بالتسول العلني بحثاً عن مزيد من التمويل الغربي والدولي.
 

 

تحريض فج ضد السوريين

تصريحات أحمد موسى لم تكن مجرد رأي إعلامي، بل حملت دلالات خطيرة. فهو لم يطرح قضية اللاجئين السوريين من منظور حقوقي أو إنساني، وإنما حوّلهم إلى عبء على الدولة المصرية يجب التخلص منه. التحريض الصريح ضد اللاجئين يتجاهل أن هؤلاء فرّوا من حرب مدمرة بحثاً عن الأمان، وأن القانون الدولي يمنع إعادتهم قسراً إلى بيئة غير آمنة. كما أن وصف سوريا بأنها "مستقرة" ينطوي على مغالطة متعمدة، إذ لا تزال مناطق واسعة من البلاد تعاني من القمع والاعتقال التعسفي وانهيار الخدمات الأساسية.

 

التسول عبر ورقة اللاجئين

خطاب بدر عبد العاطي في الأمم المتحدة لم يكن بعيداً عن هذه النغمة. فقد قدّم أرقام اللاجئين في مصر كحجة لإقناع المجتمع الدولي بأن القاهرة تتحمل أعباءً فوق طاقتها، داعياً إلى "تفعيل مبدأ تقاسم الأعباء". ورغم أن استضافة اللاجئين مسؤولية تتطلب دعماً دولياً، إلا أن الطريقة التي عرض بها الوزير القضية عكست ذهنية التسول السياسي: تصوير اللاجئين ككارثة على مصر بدلاً من النظر إليهم كطاقة بشرية ساهمت فعلاً في تنشيط الاقتصاد المحلي.

فالمطاعم والمتاجر والمشروعات التي أسسها السوريون في مصر لم توفر فقط فرص عمل لعشرات الآلاف من المصريين، بل ضخت استثمارات بمليارات الجنيهات. ومع ذلك، يصر الخطاب الرسمي والإعلامي على شيطنة وجودهم وتحويله إلى عبء سياسي واقتصادي.

 

التناغم بين الإعلام والسلطة

المفارقة أن خطاب أحمد موسى التحريضي يسير في خط واحد مع ما طرحه بدر عبد العاطي في الأمم المتحدة. الأول يخاطب الداخل محرضاً على اللاجئين السوريين ومطالباً بترحيلهم، والثاني يخاطب الخارج متوسلاً عبر ورقتهم لزيادة التمويل. هذا التناغم يكشف أن النظام لا يتعامل مع السوريين كضيوف أو شركاء، بل كورقة مزدوجة: وسيلة للتحريض الداخلي لإلهاء الرأي العام عن الأزمة الاقتصادية، وأداة للتسول الخارجي من المؤسسات الدولية والمانحين.

 

مأساة إنسانية تتحول إلى صفقة سياسية

الأخطر أن هذه السياسة تحوّل المأساة الإنسانية لملايين اللاجئين السوريين إلى صفقة سياسية قذرة، يتم التلاعب بها وفقاً لمصالح النظام. ففي الوقت الذي تدّعي فيه القاهرة "احتضانهم"، تشهد حياة الكثير من اللاجئين تضييقاً حقيقياً: صعوبات في تجديد الإقامات، غلاء معيشة خانق، وغياب أي برامج رسمية جدية للدمج أو الحماية. هذا التناقض بين خطاب "الكرم" المعلن وواقع التهميش اليومي يفضح زيف الدعاية الرسمية.

 

أبعاد دولية وأخلاقية

من الناحية الدولية، فإن محاولة مصر استخدام ملف اللاجئين كورقة ضغط تتماشى مع سياسة بعض الأنظمة في المنطقة، مثل تركيا ولبنان، التي لوّحت أكثر من مرة بإعادة اللاجئين قسراً أو فتح الحدود أمام تدفقهم نحو أوروبا. غير أن خطورة ما يحدث في الحالة المصرية تكمن في الجمع بين خطاب التسول الخارجي والتحريض الداخلي، ما يعرض حياة اللاجئين السوريين لمزيد من المخاطر.

كما أن تسليع قضية اللاجئين بهذا الشكل يسيء لصورة مصر كبلد يُفترض أن يكون ملاذاً تاريخياً للعرب، ويكشف عن انحدار أخلاقي في التعامل مع واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العصر الحديث.

وختاما فخطاب أحمد موسى التحريضي، المتناغم مع كلمة بدر عبد العاطي في الأمم المتحدة، يوضح بجلاء أن السلطة في مصر قررت تحويل اللاجئين السوريين إلى ورقة مساومة: في الداخل أداة للتحريض والتغطية على فشل السياسات الاقتصادية، وفي الخارج وسيلة للتسول طلباً للدعم المالي. وبين هذين الخطابين، تُمحى مأساة اللاجئين الحقيقية، ويُختزل وجودهم في مصر إلى عبء وورقة ضغط. وإذا استمر هذا النهج، فإن النظام لا يضر فقط باللاجئين السوريين، بل يضر أيضاً بسمعة مصر ودورها التاريخي، ويثبت أن السلطة الحالية لا ترى في قضايا العرب إلا فرصاً للتربح السياسي والمالي.