حذّر تقرير حديث صادر عن البنك الدولي من تداعيات اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة على مصر، نتيجة التوجه الرسمي نحو تقليص معدلات الإنجاب، مشيرًا إلى أن البلاد قد تواجه شيخوخة سكانية مماثلة لما تعيشه دول أوروبا الغربية خلال ثلاثة عقود فقط.

التقرير الذي صدر في 18 سبتمبر الجاري تحت عنوان "تبني التغيير وتشكيله: التنمية البشرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، أشار إلى أن مصر، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان (108 ملايين نسمة)، تشهد تحوّلًا ديموجرافيًا متسارعًا، يتمثل في انخفاض معدلات الخصوبة، وارتفاع متوسط العمر، وتضاعف نسبة إعالة كبار السن.

وتوقّع التقرير أن تتضاعف نسبة إعالة من هم فوق 65 عامًا إلى الفئة العمرية النشطة (15–64 عامًا) بحلول عام 2050، وهو ما سيؤدي إلى ضغوط كبيرة على أنظمة المعاشات والرعاية الصحية، خاصة مع تراجع معدلات المواليد، ما يهدد بتقلص القوة العاملة مستقبلًا، ويضع الدولة أمام تحديات تمويلية واجتماعية متراكمة.

 

تقلبات الخصوبة في عهد السيسي

شهدت مصر تغيرات كبيرة في معدلات الإنجاب خلال العقود الماضية. ففي عام 1952، بلغ معدل الإنجاب الكلي 6.7 طفل لكل امرأة، لينخفض تدريجيًا إلى 3.1 عام 2000، ثم يرتفع مجددًا إلى 3.5 عام 2014، قبل أن يبدأ في الهبوط الحاد ليسجل 2.41 طفل في 2024.

قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي حمّل مرارًا الزيادة السكانية مسؤولية تآكل جهود التنمية، داعيًا إلى تقليص الإنجاب. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تراجعت معدلات الزواج، وتأخر سن الزواج، وارتفعت نسب الطلاق، ما ساهم في انخفاض عدد المواليد.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، انخفض عدد عقود الزواج إلى 800 ألف عقد في 2023، مقارنة بـ870 ألف عقد عام 2015، في مؤشر يعكس تحولات اجتماعية عميقة.

 

عبء ديموجرافي وفرصة مهددة

يرى خبراء أن مصر تمتلك ثروة بشرية ضخمة، لكنها مهددة بفقدان ميزة التركيبة السكانية الشابة. الدكتور هاني سليمان، الخبير في الإدارة الصحية، أوضح أن 92% من السكان تحت سن 44 عامًا، ما يمثل فرصة هائلة للنمو، لكنه في الوقت نفسه عبء على الدولة في ظل ضعف التعليم وسوق العمل.

سليمان أشار إلى أن انخفاض الخصوبة وارتفاع متوسط العمر سيؤديان إلى تضاعف نسبة الإعالة، ما يفرض تحديات إضافية على دولة نامية تعاني من تباطؤ اقتصادي، وتراجع في معدلات التشغيل، وغياب سياسات فعالة لاحتواء الطاقات الشابة.

 

أربعة مخاطر مترابطة

الباحث مصطفى خضري حدد أربعة مخاطر رئيسية ناتجة عن تراجع معدلات الإنجاب:

  1. تقلص القوة العاملة المستقبلية: انخفاض معدل الإنجاب يعني عدد أقل من الداخلين لسوق العمل بعد عقدين.
  2. زيادة عبء الإعالة الديموجرافية: كل 100 شخص في سن العمل يعولون 59 آخرين، والنسبة مرشحة للارتفاع.
  3. أزمة في أنظمة التقاعد: انخفاض عدد دافعي الاشتراكات سيؤدي إلى ضغوط تمويلية على صناديق المعاشات.
  4. ضغوط على قطاع الصحة: ارتفاع متوسط العمر وزيادة وفيات كبار السن يعكس الحاجة المتزايدة للرعاية الصحية.

 

فقدان الميزة الشبابية

رئيس مركز "تكامل مصر" للدراسات الإعلامية، حذّر من فقدان مصر لهبة التركيبة السكانية الشابة، مشيرًا إلى أن نسبة الشباب (18–29 عامًا) تبلغ 21%، لكنها تعاني من بطالة مرتفعة تصل إلى 14.9%، و37.1% بين الإناث.

وأضاف أن مصر تواجه تحديات هيكلية مقارنة بالدول الأوروبية، حيث أن معدل تراجع الخصوبة فيها من بين الأعلى عالميًا، وإذا لم يتم الاستثمار في التعليم والتدريب، فإن البلاد ستواجه فجوة مزدوجة: نقص في العمالة الشابة، وقوة عاملة غير مؤهلة للمنافسة.

 

منعطف ديموجرافي حاسم

خلص التقرير إلى أن مصر تقف أمام منعطف ديموجرافي حاسم. ورغم أنها لا تزال دولة فتية، فإن المؤشرات طويلة الأجل تنذر بتحول نحو الشيخوخة، ما يستدعي سياسات استباقية تركز على الاستثمار في رأس المال البشري، وتكييف الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية مع هذا الواقع الجديد، قبل أن تتحول الهبة السكانية إلى عبء يصعب تجاوزه.