في تطور لافت داخل المشهد السياسي الأمريكي، بدأ عدد من أعضاء الكونغرس المعروفين تاريخيًا بدعمهم غير المشروط لإسرائيل، بالتلميح إلى إمكانية تأييد فرض قيود أو حتى حظر على مبيعات الأسلحة لتل أبيب. هذا التحول يثير تساؤلات عميقة حول خلفياته وأسبابه، خاصة وأنه يأتي في لحظة تتصاعد فيها الانتقادات الدولية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وتزداد الضغوط على الإدارة الأمريكية من منظمات حقوقية، وجماعات ضغط داخلية، وناخبين ساخطين.
تصاعد الانتقادات بسبب حرب غزة
الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة شكّلت المحرك الأساسي لهذا التحول. فقد أظهرت تقارير صادرة عن منظمات دولية أن غالبية ضحايا العمليات العسكرية كانوا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، ما أثار موجة غضب واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية. ومع تزايد هذه الأصوات، لم يعد بإمكان بعض النواب، خصوصًا من الحزب الديمقراطي، الدفاع عن استمرار تدفق الأسلحة لإسرائيل دون شروط.
ضغوط القواعد الشعبية والانتخابات القادمة
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، أصبح النواب أكثر حساسية لمواقف ناخبيهم. تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن شرائح واسعة من الشباب والأقليات العرقية في الولايات المتحدة تعارض السياسات الإسرائيلية وتطالب بوقف الدعم العسكري لها. هذه الفئات تمثل قاعدة انتخابية مؤثرة للحزب الديمقراطي، ما دفع بعض النواب إلى إعادة النظر في مواقفهم لتجنب خسارة أصوات حاسمة.
الخلافات داخل الحزب الديمقراطي
التحول لم يأتِ من فراغ، بل يعكس الانقسام المتزايد داخل الحزب الديمقراطي حول العلاقة مع إسرائيل. ففي حين لا يزال الجناح التقليدي بقيادة شخصيات بارزة يرى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا لا يمكن المساس به، فإن الجناح التقدمي، بقيادة أسماء مثل ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وبيرني ساندرز، يضغط بقوة من أجل ربط أي مساعدات عسكرية بشروط تتعلق بحقوق الإنسان. هذا الصراع الداخلي جعل بعض النواب الذين كانوا داعمين بقوة لإسرائيل يتبنون خطابًا أكثر حذرًا أو متوازنًا.
تأثير جماعات الضغط الحقوقية والإعلام
لعبت جماعات حقوق الإنسان والإعلام المستقل دورًا مهمًا في إبراز جرائم الحرب الإسرائيلية وتوثيق الانتهاكات بالصوت والصورة. ومع انتشار هذه المواد على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب على السياسيين تجاهلها. تقارير العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إضافة إلى تحركات طلابية في الجامعات الأمريكية، كلها وضعت ضغوطًا إضافية على المشرّعين لتغيير مواقفهم، ولو جزئيًا.
انعكاسات محتملة على السياسة الخارجية الأمريكية
في حال تحوّل هذه التصريحات إلى مواقف عملية داخل الكونغرس، فقد يشهد الموقف الأمريكي الرسمي تجاه إسرائيل تغيرًا ملموسًا. فرض قيود على مبيعات الأسلحة أو اشتراطات تتعلق باستخدامها قد يشكل سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. كما قد يفتح الباب أمام إعادة صياغة مفهوم "الدعم غير المشروط" الذي كان حجر الزاوية في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل لعقود. لكن في المقابل، يواجه هذا التوجه مقاومة شديدة من اللوبيات المؤيدة لإسرائيل ومن الجمهوريين، ما يجعل احتمالية تحققه مرتبطة بمدى تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية.
واخيرا فان التحول في مواقف بعض نواب الكونغرس الأمريكي من الدعم المطلق لإسرائيل إلى إمكانية تأييد حظر بيع السلاح لها يعكس تغيرًا في المزاج السياسي والشعبي داخل الولايات المتحدة. وبينما لا يزال الطريق طويلاً قبل أن يتحول هذا التوجه إلى سياسة رسمية، فإن مجرد طرحه في قلب المؤسسة التشريعية الأمريكية يشير إلى اهتزاز مكانة إسرائيل كحليف فوق النقد. وفي ظل استمرار الحرب على غزة، يبدو أن الضغوط الإنسانية والسياسية قد تفرض وقائع جديدة على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، لم تكن مطروحة بهذا الشكل من قبل.