في مشهد يعكس عمق التناقض داخل مؤسسات الاحتلال، تحوّل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أُجبر على بثه في بعض مناطق غزة عبر أنظمة التشويش والسيطرة الإعلامية، إلى مصدر جدل واسع وانتقادات داخلية وخارجية. فبينما سعى نتنياهو إلى تصوير نفسه كقائد حازم يواصل الحرب حتى "النصر الكامل"، خرج جيش الاحتلال نفسه ليكذّب مضمون بعض ما ورد في كلمته، مؤكدًا أن الواقع الميداني لا يتطابق مع ما يروّجه رئيس الوزراء. هذا التباين أعاد إلى الواجهة الخلافات بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، وألقى بظلاله على صورة الاحتلال المهتزّة أمام الداخل والخارج على حد سواء.
بث قسري يفضح ارتباك إسرائيل الإعلامي
إقدام الاحتلال على إجبار سكان غزة على مشاهدة خطاب نتنياهو عبر تقنيات التشويش والسيطرة على البث التلفزيوني والإذاعي لم يكن مجرد خطوة دعائية، بل كشف ارتباكًا عميقًا في إدارة المعركة الإعلامية. فقد رأت أوساط حقوقية أن هذا السلوك يعكس عقلية استعمارية قديمة تقوم على فرض الخطاب بالقوة، في وقت باتت فيه إسرائيل عاجزة عن إقناع العالم بروايتها، مع تزايد تقارير المنظمات الدولية عن جرائمها في القطاع.
جيش الاحتلال ينفي رواية نتنياهو
بعد ساعات قليلة من الخطاب، خرج متحدثون عسكريون إسرائيليون لينفوا صحة بعض تصريحات نتنياهو، خاصة ما قاله عن "تصفية ما تبقى من البنية العسكرية للمقاومة". وأكدت مصادر من داخل الجيش أن المقاومة ما تزال تمتلك قدرات ميدانية واضحة، وأن المواجهات لم تُحسم كما حاول نتنياهو الإيحاء. هذا التناقض بين رأس السلطة السياسية والقيادة العسكرية أحرج إسرائيل أمام الرأي العام، وأظهر حجم الفجوة بين الخطاب الدعائي والواقع الميداني.
انقسام داخلي يزداد اتساعًا
خطاب نتنياهو الأخير لم يُوحّد الجبهة الداخلية كما أراد، بل زاد منسوب الانقسام. فالأحزاب المعارضة، وعلى رأسها "هناك مستقبل" بزعامة يائير لابيد، اتهمت نتنياهو بالكذب المتعمّد والتلاعب بمصير الجنود لتحقيق مكاسب سياسية. حتى بعض الأصوات داخل الائتلاف الحاكم عبّرت عن قلقها من أن يؤدي تضارب الروايات بين الحكومة والجيش إلى فقدان ثقة الجمهور بالقيادة، في لحظة حساسة تشهد تراجعًا في معنويات الجنود والمستوطنين على حد سواء.
ارتداد الخطاب على صورة إسرائيل الخارجية
لم يقتصر الجدل على الداخل الإسرائيلي، بل امتد إلى الخارج حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية التناقض بين نتنياهو وجيشه باعتباره مؤشرًا على أزمة قيادة. واعتبر محللون أن فرض الخطاب على سكان غزة ثم تكذيبه من الجيش يضعف الموقف الإسرائيلي أمام العالم، ويمنح المقاومة نقاطًا إضافية في معركة الرأي العام. كما رأت صحف أوروبية أن هذا التضارب يعكس "دولة في حالة ارتباك استراتيجي"، وهو ما يضر بقدرة إسرائيل على حشد الدعم الدولي.
غزة ترد بالصمود والاستهزاء
من داخل غزة، لم يلقَ خطاب نتنياهو سوى السخرية والاستهزاء. فبينما حاول الاحتلال فرضه كرسالة قوة، رد سكان القطاع بمقاطع مصورة تظهر حياتهم اليومية تحت القصف وهم يسخرون من مضمون الكلمة. كما بثت المقاومة رسائل مضادة أكدت استمرارها في القتال، معتبرة أن تكذيب الجيش لرئيس الوزراء هو "أكبر اعتراف بهشاشة الاحتلال وتخبطه". هذا التفاعل الشعبي والإعلامي حول الخطاب حوّله من ورقة قوة إلى عبء على إسرائيل.
واخيرا فان تحول خطاب بنيامين نتنياهو، الذي أراد منه استعراض القوة وإظهار السيطرة، إلى دليل إضافي على أزمة الاحتلال العميقة. فبين فرضه بالقوة على سكان غزة، وتكذيب الجيش لبعض مضامينه، وانقسام الداخل الإسرائيلي حول صدقيته، وانعكاسه السلبي على صورة إسرائيل الخارجية، بدا المشهد وكأنه "هدف عكسي" في مرمى تل أبيب. ويؤكد ذلك أن الحرب لم تعد مجرد مواجهة عسكرية على الأرض، بل معركة روايات وصور، تخسر فيها إسرائيل تدريجيًا كلما حاولت فرض خطابها الزائف بالقوة.