بينما يواصل عشرات النشطاء والإغاثيين الإبحار باتجاه قطاع غزة على متن ما يعرف بـ"أسطول الصمود العالمي"، تتصاعد المخاوف من استهداف إسرائيلي وشيك قد يحول رحلة إنسانية إلى مواجهة مفتوحة في عرض البحر. ورغم التحذيرات الرسمية التي وجهتها بعض الحكومات لرعاياها، فإنها لم تقدم أي حماية فعلية، ما دفع المشاركين إلى اتهامها بـ"التخلي عن مسؤولياتها" في لحظة يصفونها بأنها اختبار حقيقي للقيم الإنسانية والسياسية. وفي المقابل، برزت تحركات أوروبية ومغاربية متباينة، ما يعكس التناقض في المواقف الدولية إزاء حصار غزة المستمر منذ 18 عامًا.

 

 تهديدات إسرائيلية وتصعيد في البحر المتوسط

 أفادت إدارة "أسطول الصمود" بأن المشاركين تلقوا تحذيرات من حكوماتهم بشأن "هجوم محتمل"، دون أن تُترجم هذه التحذيرات إلى خطوات حماية عملية. وبحسب شهادات الناشطين، فإن طائرات مسيّرة إسرائيلية قامت بالفعل باستهداف عدد من السفن، ما ألحق أضرارًا متفاوتة بها. هذا التصعيد، الذي وصفه ناشطون بأنه "قرصنة بحرية"، اعتُبر محاولة من الاحتلال لإجهاض التحرك قبل وصوله إلى غزة، رغم أنه ذو طابع إنساني بحت، يهدف إلى إدخال المساعدات وكسر الحصار.

 

إيطاليا وإسبانيا تكسران الجمود الأوروبي

في خطوة لافتة، تحركت كل من إيطاليا وإسبانيا لحماية مواطنيها المشاركين. وزير الدفاع الإيطالي أعلن إرسال سفينة ثانية "لتأمين الدعم اللازم"، مؤكدا أن المهمة إنسانية غير عدائية. أما رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، فأوضح من نيويورك أن بلاده "قلقة جدا" وسترسل سفينة عسكرية لإجلاء رعاياها عند الضرورة. هذه الخطوات جاءت بعد ضغط شعبي كبير، خصوصا في إيطاليا، حيث انتفض الشارع ضد ما اعتبره "تواطؤا حكوميا" مع الاحتلال، لتضطر الحكومة الإيطالية إلى إرسال سفينة إنقاذ قرب جزيرة كريت.

 

تباينات أوروبية تكشف ازدواجية المعايير

في المقابل، تبنت دول أوروبية أخرى مثل قبرص واليونان مواقف مترددة، إذ اقترحت تحويل المساعدات إلى جهات ثالثة لتوزيعها، وهو ما رفضه الناشطون بشدة، معتبرين أنه "محاولة لتفريغ المبادرة من مضمونها". هذا التناقض يعكس حالة الانقسام الأوروبي بين حكومات تميل إلى الانحياز لمصالح إسرائيل وأخرى تتعرض لضغط شعبي يدفعها لاتخاذ مواقف أكثر استقلالية. ووفق مراقبين، فإن هذه الازدواجية تكشف عن أزمة أعمق في السياسة الأوروبية تجاه فلسطين، حيث تغيب الأولوية الإنسانية أمام الحسابات السياسية.

 

مواقف مغاربية: دعم شعبي ورسمي متردد

في المنطقة المغاربية، عبّرت منظمات أهلية عن دعمها الواضح للأسطول. ففي المغرب، أدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ما وصفته بـ"العربدة الصهيونية"، وطالبت الحكومة بحماية مواطنيها وتحميل اليونان المسؤولية أثناء مرورهم في مياهها. أما الجزائر، التي تشارك بأربع سفن ضمن الأسطول، فقد دعت تنسيقيتها الشعبية لنصرة فلسطين إلى تحرك رسمي عبر الأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن. وفي تونس، نُظمت وقفات تضامنية دعمت المشاركين ونددت بالهجمات الإسرائيلية. هذه المواقف أظهرت التباين بين زخم الشارع المغاربي ومحدودية التحرك الرسمي.

 

رفض تحويل المساعدات.. مهمة لكسر الحصار لا لتجميله

أصدر الوفد الإيطالي ضمن الأسطول بيانا شدد فيه على رفض أي محاولة لتحويل وجهة المساعدات إلى قبرص أو غيرها، مؤكدا أن "المهمة واضحة: كسر الحصار، لا تجميله". وأشار البيان إلى أن عرقلة الأسطول تمثل خرقا صارخا للقانون الدولي، وتجاهلا للأمر المؤقت الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي يلزم إسرائيل بعدم منع دخول المساعدات إلى غزة. من جهتها، طالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بوقف الهجمات، فيما دعت المقررة الأممية الخاصة بفلسطين إلى حشد "أساطيل دولية" لمرافقة القافلة وضمان وصولها الآمن.

 واخيرا ما بين إصرار النشطاء على المضي قدما نحو غزة، وتزايد التهديدات الإسرائيلية، وارتباك المواقف الدولية، يظل "أسطول الصمود" اختبارا حقيقيا لإرادة العالم في مواجهة حصار إنساني مستمر منذ 18 عاما. ففي الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول الأوروبية والمغاربية حماية رعاياها، تكشف المواقف المترددة عن غياب موقف موحد قادر على فرض حماية للأسطول. وبانتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، يبقى صوت المشاركين رسالة واضحة: كسر الحصار عن غزة واجب إنساني لا يحتمل التأجيل.