بعد أكثر من عام ونصف على إبرام صفقة "رأس الحكمة" المثيرة للجدل بين مصر والإمارات، عادت الحكومة المصرية لتوقيع صفقة جديدة تحت مسمى "قرن البحر الأحمر"، في محاولة لإظهار قدرتها على جذب استثمارات كبرى تسهم في إنعاش اقتصاد يرزح تحت وطأة الدين وبيع الأصول.
المشروع، الذي وقع الأحد بحضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولي من العاصمة الإدارية، يثير جدلاً واسعًا حول أهدافه الحقيقية، ومكاسبه الفعلية للاقتصاد المحلي، وما إذا كان يمثل فرصة للتنمية أم مجرد إعادة إنتاج لنفس السياسات قصيرة النظر.
 

مشروع سياحي ضخم بتمويل خارجي
الصفقة الجديدة، المعروفة باسم "مراسي ريد"، تمتد على مساحة تتجاوز 10 ملايين متر مربع في "خليج سوما" على الساحل الغربي للبحر الأحمر.
المشروع يقام بشراكة سعودية إماراتية، حيث يمتلك رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار 50% منه، بينما يتقاسم السعوديان حسن شربتلي وفهد الشبكشي النصف الآخر.
وتقدر قيمة الاستثمارات المعلنة بنحو 900 مليار جنيه (20 مليار دولار)، ما يجعلها واحدة من أضخم الصفقات الاستثمارية في القطاع السياحي المصري.
 

تسويق حكومي أم تنمية حقيقية؟
الإعلام المحلي وصف المشروع بأنه "موناكو مصر"، في محاولة لإظهار القاهرة كمركز استثماري وسياحي عالمي.
لكن خبراء اقتصاديين يشيرون إلى أن هذه الصفقات تعتمد بشكل أساسي على استثمارات خارجية ضخمة، دون وجود خطة متوازنة لزيادة الإنتاج المحلي أو تحسين مؤشرات الاقتصاد الحقيقي.
فبينما تُعرض هذه المشروعات على أنها إنجازات كبرى، يبقى السؤال: إلى أي مدى يستفيد المواطن المصري من مشاريع ترفيهية ومراسي يخوت وفنادق فاخرة؟
 

مكاسب سياحية متوقعة.. ولكن!
بحسب البيانات الرسمية، يتوقع أن يضم المشروع 12 ألف غرفة فندقية ويجذب نحو 4 ملايين سائح سنويًا، إضافة إلى استقطاب 400 علامة تجارية عالمية في مجالات الموضة والمطاعم والتجزئة.
هذه الأرقام تبدو مبشرة على الورق، لكنها تواجه تحديات حقيقية، أبرزها حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، وغياب البنية التحتية الكافية لاستيعاب مثل هذه التدفقات السياحية.
كما أن تركيز الحكومة على السياحة الترفيهية والفاخرة قد يعزز من الفجوة بين طبقات المجتمع بدلًا من دعم قطاع السياحة الشعبي الذي يوفر فرص عمل أوسع للمصريين.
 

بيع الأصول كخيار وحيد
الصفقة تأتي في سياق توجه حكومي متكرر نحو بيع الأصول والمشروعات الكبرى للمستثمرين الأجانب، بهدف توفير سيولة عاجلة بالعملة الصعبة.
هذا النهج، الذي بدأ بصفقة "رأس الحكمة" ويستمر مع "قرن البحر الأحمر"، يعكس مأزق الاقتصاد المصري الذي بات يعتمد على الاستثمارات العقارية والسياحية أكثر من اعتماده على الصناعة أو الزراعة أو الابتكار.
ويرى محللون أن ذلك قد يحول مصر إلى مجرد سوق استهلاكي ومكان لتصريف الاستثمارات الخليجية، بدلًا من أن تكون دولة إنتاجية قادرة على المنافسة.
 

بين الطموحات والواقع الاقتصادي
رغم الأرقام الضخمة التي تروج لها الحكومة، تبقى قدرة هذه الصفقات على إنقاذ الاقتصاد المصري محدودة في ظل تصاعد الدين الخارجي، وتراجع الاحتياطي النقدي، وارتفاع معدلات التضخم.
فالمواطن العادي، الذي يئن تحت وطأة الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، لا يرى انعكاسًا مباشرًا لمثل هذه المشروعات على حياته اليومية.
بل إن هذه الصفقات قد تزيد من تركز الثروة في أيدي قلة من رجال الأعمال المحليين والأجانب، بينما تبقى أغلبية الشعب بعيدة عن أي استفادة ملموسة.

وأخيرا فإن صفقة "قرن البحر الأحمر" تمثل حلقة جديدة في سلسلة الصفقات التي تسعى الحكومة المصرية من خلالها إلى تجميل صورة اقتصاد مأزوم.
ورغم الوعود بجذب ملايين السياح وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل، فإن اعتماد الدولة على بيع الأراضي والمشروعات للأجانب لا يقدم حلولًا جذرية للأزمة الاقتصادية.

وبينما تسوق الحكومة المشروع باعتباره "موناكو مصر"، يبقى السؤال قائمًا: هل يمكن لصفقة عقارية جديدة أن تعالج أزمات المديونية والتضخم والفقر؟ أم أنها مجرد استراحة قصيرة في طريق أطول من الأزمات؟