مع نهاية الأسبوع، يعيش السوق المصري حالة ترقب مشوبة بالقلق إزاء مسار الدولار والذهب، المؤشرين الأبرز لحال الاقتصاد الوطني.
وبينما تُظهر بيانات البنك المركزي استقراراً نسبياً في سعر الصرف، يقفز الذهب إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، في انعكاس مباشر لفقدان الثقة في الجنيه.
هذه التطورات لا يمكن فصلها عن السياسات الاقتصادية لحكومة السيسي، التي أغرقت البلاد في دوامة ديون وتبعية خارجية، وعجزت عن تقديم حلول جذرية تعيد الاستقرار النقدي والمالي.
استقرار زائف للعملة المحلية
رغم إعلان البنك المركزي أن الدولار استقر عند 48.09 جنيهاً للشراء و48.22 جنيهاً للبيع، فإن هذا "الاستقرار" ليس إلا نتيجة قيود مشددة على سوق الصرف وتدخل مباشر من الدولة لضبط الحركة داخل البنوك.
في الواقع، يظل المواطنون يعانون من ندرة العملة الصعبة وارتفاع أسعار السلع المستوردة.
فبدلاً من إصلاح الخلل في الإنتاج والتصدير، يكتفي نظام السيسي بإجراءات شكلية تمنح انطباعاً بالانضباط، لكنها لا تمس جوهر الأزمة.
البنوك بين فوارق هامشية وضغوط حكومية
سجل البنك الأهلي المصري سعراً عند 48.62 جنيهاً للدولار، في حين عرض بنك مصر سعراً أقل بلغ 48.19 جنيهاً.
هذا الفارق المحدود يعكس قبضة الحكومة على النظام المصرفي، حيث يتم التضييق على البنوك للحفاظ على هامش ضيق من الحركة، من أجل تلميع صورة السوق أمام المؤسسات الدولية.
إلا أن هذه الصورة الزائفة لا تخفي حقيقة الانهيار: عجز دائم في العملة الأجنبية، واعتماد متزايد على القروض، واستيراد حتى أبسط احتياجات البلاد من الغذاء والوقود.
الذهب ملاذ الشعب أمام فشل الحكومة
ارتفاع أسعار الذهب محلياً ليس مجرد انعكاس للأسواق العالمية، بل هو شهادة إدانة مباشرة لفشل السيسي في حماية الجنيه. فقد سجل غرام الذهب عيار 21 نحو 5055 جنيهاً، بينما قفز الجنيه الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 40,440 جنيهاً.
هذه الأرقام تكشف عن هروب المواطنين إلى الذهب باعتباره الملاذ الوحيد للحفاظ على قيمة مدخراتهم، في ظل فقدان الثقة في العملة المحلية وتآكل القوة الشرائية.
الحكومة، بدلاً من مواجهة الأزمة، تكتفي بتحميل المواطن عبء الغلاء.
التضخم والديون: الحلقة المفرغة للسيسي
يرتبط صعود الذهب عالمياً بضعف الدولار وتوقعات الفائدة المرتفعة، لكن في مصر يتضاعف الأثر بسبب تضخم محلي بلغ معدلات قياسية.
فسياسات التوسع في الاقتراض الخارجي لتمويل مشروعات لا تحقق عائداً إنتاجياً، مثل العاصمة الإدارية والطرق الفاخرة، زادت من الضغوط على الجنيه وأدت إلى تآكل دخل الأسر.
ومع غياب رؤية اقتصادية متكاملة، يظل المصريون يدفعون ثمن مغامرات السيسي، الذي يفاخر بالمشروعات بينما يغرق الشعب في غلاء غير مسبوق.
غياب البدائل يعمّق الأزمة
الخبراء يشيرون إلى أن المستثمرين الصغار في مصر لا يجدون أمامهم سوى الذهب كخيار للتحوط، في ظل غياب أدوات استثمارية آمنة وفعالة.
البورصة تعاني من ضعف الثقة، والمشروعات الحكومية مغلقة على رجال الأعمال المقربين من النظام، بينما تتقلص فرص العمل الحقيقي.
هذا الغياب للبدائل يعكس فشل الحكومة في بناء اقتصاد متنوع ومنفتح، ويجعل المواطن البسيط رهينة تقلبات الدولار والذهب، بدل أن يكون شريكاً في عملية إنتاج حقيقية تحقق له الأمن الاقتصادي.
وأخيرا فإن استقرار الدولار المعلن ليس سوى مسكن مؤقت يخفي تحت السطح أزمة عميقة، فيما قفزات الذهب تجسد حالة انعدام الثقة في سياسات السيسي وحكومته.
وبينما تتفاقم الضغوط على المواطن، تواصل السلطة مسارها في الاقتراض والإنفاق الاستعراضي، من دون معالجة جذرية لمشكلات الإنتاج والصناعة والتصدير.
وما لم يحدث تحول حقيقي في إدارة الاقتصاد، ستظل مصر عالقة في حلقة مفرغة من التضخم، وفقدان الثقة، وارتهان المستقبل لقرارات غير مسؤولة.