في مشهد عكس الفجوة الكبيرة بين السلطة والمواطنين، استقبلت الأمانة العامة لمجلس الشيوخ المصري أعضاءه الجدد (2025-2030) وسط أجواء احتفالية، حيث تسلم النواب بطاقات العضوية التي تمنحهم حصانة قانونية وامتيازات مالية وعينية استثنائية.
وبينما تغرق البلاد في أزمات اقتصادية طاحنة، تواصل السلطة تكريس صورة البرلمان كواجهة شكلية لإرضاء رجال الأعمال والموالين، من دون أي صلاحيات تشريعية أو رقابية حقيقية. ويُظهر هذا المشهد أن السيسي وحكومته لا يزالان يستخدمان المؤسسات النيابية كأدوات للترضية السياسية، بعيداً عن هموم المواطن ومعاناته.**
بطاقة العضوية: حصانة ضد القانون
بطاقة العضوية في مجلس الشيوخ لم تعد مجرد ورقة رسمية، بل تحولت إلى "درع واقٍ" للنائب من أي مساءلة قانونية. فهي تتيح له المرور عبر المطارات والكمائن الأمنية بلا تفتيش، فضلاً عن حصانة تحميه من المحاسبة إلا بموافقة المجلس نفسه. هذه الحصانة، التي يفترض أن تكون أداة لحماية العمل النيابي، تحولت إلى غطاء للفاسدين، كما كشفت وقائع سابقة تورط فيها نواب اتكأوا على حصانتهم للإفلات من العقاب.
ومع ذلك، تغض حكومة السيسي الطرف عن أي مساءلة حقيقية، ما يعكس استغلالاً فجّاً للقانون لمصلحة النخبة السياسية.
امتيازات مالية فاخرة في ظل أزمة اقتصادية
يحصل عضو مجلس الشيوخ على مكافأة شهرية تبلغ 42 ألف جنيه، معفاة من الضرائب، إضافة إلى بدلات حضور الجلسات واللجان، وتأمين طبي من الدرجة الأولى، وبطاقات مجانية للطيران والسكك الحديدية، وإمكانية الحصول على قروض بضمان المكافأة الشهرية. هذه الامتيازات تأتي في وقت يعاني فيه ملايين المصريين من الغلاء غير المسبوق، وارتفاع أسعار الغذاء والدواء، وتراجع قيمة الجنيه. فبينما تطالب الحكومة المواطنين بالتقشف، تنفق مليارات الجنيهات على مجلس بلا صلاحيات، ما يكشف انفصال السلطة عن واقع الشعب.
برلمان رجال الأعمال تحت رعاية السلطة
في السنوات الأخيرة، تحولت عضوية البرلمان بغرفتيه إلى هدف رئيسي لرجال الأعمال الباحثين عن النفوذ والحصانة. وتبارى هؤلاء في الانضمام إلى أحزاب السلطة مثل "مستقبل وطن" و"حماة الوطن"، لضمان الوصول إلى المقاعد. هذا الواقع لم يكن ليتحقق لولا سياسات السيسي التي فتحت الباب واسعاً أمام تحالف المال والسياسة، ما جعل البرلمان مجرد أداة لحماية مصالح المستثمرين والنخب الاقتصادية، بدلاً من أن يكون منبراً للتشريع أو الدفاع عن مصالح المواطنين.
فساد محمي بالحصانة
القضية الشهيرة التي تورط فيها النائب عيد حماد عام 2022 مثال صارخ على عبثية الحصانة. فبعد ضبط سائقه بكمية كبيرة من المخدرات وأموال بالدولار، تدخل حماد نفسه محاولاً استغلال حصانته، وخرج من الأزمة بلا عقاب حقيقي. ورغم الأدلة الواضحة، اكتفت النيابة بمحاكمة المتهمين الآخرين، فيما ظل النائب بمنأى عن المحاسبة. هذا النموذج يعكس غياب أي إرادة سياسية لدى نظام السيسي لمواجهة الفساد، بل وتوفير مظلة قانونية لحماية المقربين والموالين.
مجلس بلا صلاحيات حقيقية
رغم المليارات التي تُنفق سنوياً على مجلس الشيوخ، فإنه لا يملك صلاحيات تشريعية أو رقابية، واقتصر دوره على المشورة. وقد أنشئ المجلس بموجب تعديلات دستورية عام 2019، في خطوة اعتبرها كثيرون محاولة من السيسي لإرضاء رجال الأعمال والإعلاميين والسياسيين الموالين، عبر منحهم مقاعد تضمن لهم النفوذ والمكانة. ومع إعلان تعيين 100 عضو إضافي بقرار رئاسي، تتضح طبيعة المجلس كأداة خاضعة بالكامل للسلطة التنفيذية، بعيداً عن أي تمثيل شعبي حقيقي.
واخيرا يعكس مشهد مجلس الشيوخ المصري جوهر نظام السيسي الذي يركز على تحصين النخبة السياسية ورجال الأعمال بالامتيازات والحصانات، بينما يُترك المواطن البسيط فريسة للأزمات الاقتصادية والمعيشية. فالمجلس الذي يستهلك مليارات من أموال الدولة، بلا أي فاعلية أو صلاحيات، يمثل تجسيداً صارخاً لسياسات السلطة في إفراغ الحياة السياسية من مضمونها وتحويلها إلى واجهة شكلية تخدم مصالح النظام. وفي ظل استمرار هذه المعادلة، يبقى البرلمان المصري مؤسسة معزولة عن الشعب، تعمل فقط على تثبيت أركان الحكم لا خدمته.