تواجه مصر أزمة طاقة متفاقمة مع تراجع إنتاج الغاز المحلي، وارتفاع معدلات النضوب في الحقول الكبرى مثل "ظهر"، ما دفع الحكومة إلى تعديل استراتيجيتها في مزيج الطاقة.
وبينما تواصل القاهرة استيراد الغاز من إسرائيل بموجب اتفاقية ممتدة حتى عام 2040، فإن المخاوف السياسية والأمنية تجعل هذا الاعتماد محفوفاً بالمخاطر.
وفي المقابل، تتجه الحكومة إلى بدائل محلية وعربية ودولية لتعزيز أمنها الطاقي، في وقت يظل فيه مستقبل مصر كمركز إقليمي للطاقة معلقاً بين الطموح والواقع.
ضغوط إسرائيلية تربك المشهد الطاقي
أصبح الغاز ورقة ضغط في يد حكومة الاحتلال، إذ هددت تل أبيب مراراً بوقف الإمدادات إلى مصر، التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي لتغطية نحو 20% من استهلاكها اليومي.
ورغم تجديد القاهرة لاتفاقية الاستيراد الشهر الماضي، لتزيد الكميات إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً، فإن المخاطر الأمنية والسياسية تجعل مصر في وضع هش، حيث أي اضطراب في غزة أو سيناء يمكن أن يقطع شرياناً أساسياً من مصادر الطاقة.
فجوة متنامية بين الإنتاج والاستهلاك
تشير بيانات وزارة الكهرباء إلى أن إنتاج مصر من الغاز يراوح بين 5.3 و5.5 مليارات قدم مكعبة يومياً، بينما يصل الاستهلاك إلى نحو 7.3 مليارات، بفارق ملياري قدم.
ومع توقعات بانخفاض الإنتاج إلى ما دون 5 مليارات قدم مكعبة بحلول 2027، تصبح الفجوة أكثر اتساعاً، ما يفرض على الحكومة الاستيراد من السوق الفورية بأسعار مرتفعة، أو البحث عن بدائل أخرى مثل الغاز القبرصي والغاز المسال.
العودة إلى المازوت والسولار
لمواجهة العجز في الغاز، زادت وزارة الكهرباء من الاعتماد على المازوت والسولار لتشغيل المحطات الحرارية.
فقد انخفضت مساهمة الغاز في مزيج الطاقة من 76% عام 2024 إلى 60% في أغسطس 2025، لصالح المشتقات النفطية والطاقة الجديدة من الرياح والشمس.
ورغم كلفة المازوت والسولار المرتفعة بيئياً ومالياً، إلا أن الحكومة تعتبرها حلاً مؤقتاً للحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية في أوقات الذروة.
استثمارات محدودة وآمال مؤجلة
تسعى الحكومة لجذب استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار هذا العام عبر طرح 12 منطقة امتياز جديدة في البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج السويس.
لكن خبراء الطاقة يرون أن هذه الاستثمارات محدودة ولا تكفي لتغطية الفجوة الكبيرة في الإنتاج.
فتكلفة تطوير حقل بحجم "ظهر" وحده بلغت 12 مليار دولار عام 2019، ما يجعل عودة مصر إلى مسار الفائض والتصدير رهينة باكتشافات تجارية كبرى خلال السنوات المقبلة.
صراع الأدوار الإقليمية ومخاوف المستقبل
رغم امتلاك مصر بنية تحتية قوية لتسييل الغاز وإعادة تصديره، فإن اعتمادها على الغاز الإسرائيلي يضعف قدرتها التفاوضية أمام أوروبا، خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي فتحت باب الفرص أمام القاهرة لتعويض جزء من الغاز الروسي. ومع ذلك، تظل المخاطر قائمة، إذ إن أي اضطراب في غزة أو شرق المتوسط قد يهدد تدفقات الغاز. وبحسب خبراء، فإن الحل يكمن في تنويع المصادر عبر التعاون مع قبرص واليونان ومنتجي الغاز الأفارقة مثل نيجيريا، لتقليل الارتهان لمصدر واحد محفوف بالمخاطر.
وأخيرا فان أزمة الطاقة في مصر تعكس مزيجاً معقداً من الضغوط السياسية والاقتصادية. فالاعتماد على الغاز الإسرائيلي، رغم كلفته الأقل نسبياً، يبقى رهينة التوترات الأمنية والإقليمية، في حين أن البدائل الأخرى أكثر كلفة وأصعب في التنفيذ. وبين طموح التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وواقع العجز المالي والاستهلاكي، يظل مستقبل الطاقة في مصر معلقاً بقدرتها على جذب الاستثمارات وتنويع مصادرها خلال العقد المقبل.