تشهد محافظة المنوفية في الآونة الأخيرة أزمة حقيقية تهدد المزارعين وأسرهم، بعد أن غرقت مساحات واسعة من أراضي طرح النهر نتيجة لارتفاع منسوب المياه وتسربها دون وجود خطة واضحة من وزارتي الزراعة والري لاحتواء الموقف.

هذه الأراضي التي تمثل مصدر رزق أساسي لآلاف الأسر تحولت إلى برك ومستنقعات، فيما ارتفعت أصوات المواطنين تشكو الإهمال الرسمي وتفاقم الديون التي باتت تطارد المزارعين في كل بيت وقرية.


 

أزمة ممتدة بلا حلول
المزارعون يؤكدون أن أزمة غرق الأراضي ليست وليدة اليوم، بل هي مشكلة ممتدة منذ سنوات، حيث تتكرر مع بداية موسم الفيضان أو عند أي خلل في تصريف المياه.
إلا أن الكارثة هذا العام كانت أشد، إذ تجاوزت المياه خطوط الحماية وغمرت مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالذرة والأرز والخضروات.

ويقول أحد المزارعين: "تعب شهور ضاع في أيام، الأرض غرقت والمحصول فسد، والدولة غائبة وكأنها لا ترى".

 

ورغم تكرار الشكاوى، اكتفى مسؤولو الري والزراعة بوعود غير منفذة، ما دفع الأهالي إلى اتهام الوزارتين بالإهمال المتعمد والتقصير في صيانة الجسور وتطهير المصارف والترع.
 

ديون المزارعين تتفاقم
الكارثة لم تتوقف عند فقدان المحاصيل، بل امتدت إلى مديونيات ضخمة تثقل كاهل المزارعين.
فمعظمهم كان قد اقترض من البنوك الزراعية لشراء التقاوي والأسمدة والمبيدات، أملاً في تسديد هذه الالتزامات بعد حصاد الموسم.
إلا أن غرق الأراضي أدى إلى خسارة شبه كاملة، وبدلاً من جني الأرباح وجد المزارع نفسه محاصراً بين خسارة محصوله وضغوط الدائنين.

ويشير عدد من المزارعين إلى أنهم يواجهون خطر الحبس بسبب عجزهم عن سداد القروض، متسائلين عن دور الدولة في حمايتهم من الإفلاس. أحدهم قال بمرارة: "زرعنا على أمل أن نعيش، والآن ننتظر السجن".


 

 

شكاوى المواطنين تتصاعد
لم تتوقف الأزمة عند المزارعين وحدهم، بل طالت المواطنين العاديين في القرى المطلة على طرح النهر. فالمياه الغارقة تسببت في انتشار الروائح الكريهة وتزايد الحشرات، ما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.
كما تهدد هذه البرك صحة الأهالي بانتشار الأمراض الجلدية والبعوض الناقل للأوبئة.

وقد قدم الأهالي شكاوى متكررة إلى مجالس القرى والوحدات المحلية، لكن الاستجابة جاءت بطيئة أو معدومة، ما زاد من غضب المواطنين وشعورهم بالتجاهل.
 

اتهامات بالتقصير والإهمال
أصابع الاتهام تتجه بشكل مباشر إلى وزارتي الزراعة والري، اللتين لم تضعا حلولاً جذرية للمشكلة، رغم علمهما المسبق بخطورة فيضان النيل وتأثيره على أراضي طرح النهر.
يرى خبراء أن عدم تطهير المجاري المائية بشكل دوري وتدهور البنية التحتية للري ساهم في تفاقم الأزمة.

كما أشار بعض الحقوقيين إلى أن استمرار هذه الكوارث يعكس غياب الرؤية الاستراتيجية للدولة في حماية صغار المزارعين، الذين يمثلون العمود الفقري للأمن الغذائي المصري.
 

مستقبل مجهول للزراعة في المنوفية
تبقى الأزمة مفتوحة على احتمالات مقلقة، إذ يخشى المزارعون أن يستمر الإهمال وأن يتكرر الغرق في كل موسم، ما قد يدفع الكثيرين إلى ترك أراضيهم والهجرة نحو المدن بحثاً عن مصدر رزق آخر.
وهو ما ينذر بتراجع الإنتاج الزراعي في واحدة من أكثر المحافظات خصوبة في مصر.

في النهاية، يظل غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية جرس إنذار خطير يكشف هشاشة البنية الزراعية وضعف استجابة الوزارات المعنية.
وبينما تتفاقم الديون وتتصاعد شكاوى المواطنين، يقف المزارع المصري وحيداً في مواجهة أزمات متتالية، لا يملك لها حلاً سوى انتظار رحمة السماء أو التفات الدولة لمأساته.