منذ 2023 وحتى 2025، باتت عملية الوداع الأخير عبئًا مالياً جديدًا يضاف إلى أعباء ملايين المصريين، شكاوى عائلات ومنشورات على منصات التواصل تتحدّث عن ارتفاع سعر الكفن بمعدلات وصل بعضها إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل سنوات، بينما أصبحت أسعار القبور وقطع الأرض المخصصة للدفن "جنونية في المدن الكبرى.

نقلاً عن شكاوى مواطنين ومناقشات شعبية على منصات فإن تكاليف دفن بسيط في بعض المحافظات ارتفعت بشكل محسوس مقارنةً بما كان يُدفع سابقًا، خصوصاً مع تضخم أسعار النقل والخدمات المصاحبة.
 

سوق قبور فاخر.. منازل موتى بملايين الجنيهات
تقارير صحفية رصدت سوقاً متنامياً للمقابر الفاخرة في القاهرة ومحافظات أخرى، حيث تُعرض قطع أراضي مُجهَّزة ببوابات وحدائق وكسوات من رخام وسيراميك بأسعار وصلت في بعض الإعلانات إلى نحو مليون وحتى مليونَي جنيه مصري للقطعة طبقاً لتغطيات إعلامية في يناير 2024، ما يضع هذه السلع في نطاق السكن الفاخر لا في نطاق خدمة دفن بسيطة للعائلات الفقيرة.

هذا التحوّل في أسعار قطع الدفن يُحوّل الموت إلى سلعة استثمارية في زمن أزمة دخل وارتفاع معدلات التضخم.
 

تلازم سياسات التطوير الحضري مع تضييق خيارات الدفن
مشاريع البنية التحتية الحضرية الواسعة التي أعلنتها حكومة الانقلاب منذ 2017 تتصدرها طرق ومعابر و"عواصم إدارية جديدة"؛ أحد آثارها المباشرة هدم ونقل أجزاء من مدافن تاريخية في القاهرة مثل "مدينة الموتى" لصالح طرق سريعة ومشروعات عمرانية، مع تعويضات وهياكل بديلة لا تُعوّض الخسارة الاجتماعية والعاطفية للعائلات.

صحفيون دوليون والإدارات المعنية اعترفت بوجود هدم فعلي لمقابر ومشروعات طرق نُفّذت منذ سبتمبر 2023، بينما قالت وزارة التخطيط إنها "تفهم ألم الأهالي" لكن الإجراءات جرت لصالح المصلحة العامة، هذا التعاطي زاد من ندرة الأراضي المخصصة للدفن ودفع الأسعار إلى أعلى.
 

تزايد نفوذ شركات عسكرية في الاقتصاد.. ماذا عن خدمات الدفن في المستشفيات؟
خلال السنوات الأخيرة ضاعفت الدولة حضورها الاقتصادي عبر شركات مملوكة للدولة وللقوات المسلحة، والحكومة أعلنت في أبريل 2025 نيتها طرح حصص من شركات تابعة للجيش عبر صندوق ثروة سيادي كخطوة للمشروعات الاصلاحية والوفاء بشروط برامج تمويل دولية.

هذه الشركات تعمل في قطاعات متعددة من مياه ومطاحن وطرق إلى خدمات لوجستية، وجودها الواسع يثير تساؤلات عن مدى سيطرة هذه الكيانات على عقود قطاع الصحة والخدمات المصاحبة، ومنها خدمات نقل الجثث وتنظيم مراسم العزاء.
 

الفقراء أول الضحايا
ارتفاع تكاليف الدفن وندرة أراضٍ للمدافن يدفعان العائلات إلى خيارات أخطر؛ دفن جماعي في مقابر بعيدة، تأجيل الإجراءات، أو تحمل تكاليف تسهيلات قيمتها شهور من الدخل.

ارتفاع أسعار السلع الأساسية بعد تعويم الجنيه وإجراءات رفع الدعم وتطبيق شروط برنامج صندوق النقد الدولي أثر مباشرة على القدرة الشرائية، ونتيجة ذلك أصبح الإنفاق على مراسم الجنازة مطلبًا يفتك بالمدخرات الطارئة.

تقارير صندوق النقد ومنظمات اقتصادية ربطت فشل تقليص دور مؤسسات الدولة والعسكر في الاقتصاد بتشوهات في الأسواق ورفع تكاليف الخدمات.
 

شهادات ومطالب
من الناشطين والمواطنين إلى جمعيات حقوقية واجتماعية، المطالب تتكرّر.. شفافية عقود المستشفيات، كشف أسعار الخدمات الأساسية مثل الكفن وجهاز النقل وغرف التبريد ورسوم الدفن، وتخصيص مساحات بديلة بأسعار مدعومة للفقراء.

السلطات تقول إنّ المشاريع تُقام من أجل التطوير وخدمة المصلحة العامة، بينما الواقع أن سياسات التنمية تُهيئ بيئة تجارية تربح منها شركات ذات نفوذ سياسي واقتصادي، تاركة الطبقات الأضعف لدفع فاتورة الغياب عن سياسات دعم فعّالة.
 

استنتاجات
القضية ليست مجرد تضخّم أسعار لسلعة محددة؛ هي سياسات اقتصادية مريرة: هيمنة كيانات قريبة من قوى الدولة على موارد الأرض والخدمات، مشاريع عمرانية تُعيد رسم خرائط المدن على حساب الموروث الاجتماعي، وغياب شفافية في عقود الخدمات الصحية والبلدية.

إن لم تُتَخذ إجراءات فورية للحد من تكاليف الدفن كتوفير أراضٍ مدعومة، تنظيم أسعار الخدمات الأساسية، وشفافية تعاقدات المستشفيات، ستتحول معاناة الوداع إلى عبء دائم على الأسر المصرية الأضعف.