مع بداية العام الدراسي 2025 – 2026، لم تعد فرحة الدخول إلى المدارس كما كانت في السابق، بل تحولت إلى عبء ثقيل على الأسر المصرية.
فقد ازدادت شكاوى أولياء الأمور من الارتفاع الكبير في المصاريف الدراسية والمستلزمات الإضافية، المعروفة بـ"السبلايز"، التي باتت شرطًا إلزاميًا في كثير من المدارس الخاصة والحكومية على حد سواء.
الأزمة تكشف عن ثغرات في الرقابة الرسمية، وتثير أسئلة حول ما إذا كان التعليم في مصر ما يزال حقًا للجميع، أم أنه صار رفاهية للقادرين فقط.
سبلايز تفوق المعقول
تشمل الطلبات التي تفرضها المدارس على الأسر:
زجاجات مطهرات مثل "ديتول"، صابون، مناديل ورقية ومعطرة، ورق بأحجام متعددة، مسدس شمع، إضافة إلى الكشاكيل والكراسات الملونة، وزمزميات، وعلب طعام "لانش بوكس"، وصولًا إلى فلاشات كمبيوتر، صلصال، وألوان متنوعة.
هذه القائمة الطويلة، بجانب الزي المدرسي (اليونيفورم) الذي يتغير سنويًا لأسباب تجارية بحتة، تجعل تكلفة الدراسة تتضاعف بشكل مرهق، خصوصًا مع موجات الغلاء المتلاحقة التي طالت جميع السلع والخدمات.
ضغوط اقتصادية خانقة
وعن هذا الغلاء والزمة الخانقة التي يعيشها أولياء الأمور أشار الأب رفيق جريش إلى أن أسعار الحقائب والأقلام والكشاكيل تضاعفت خلال الأعوام الأخيرة، وهو ما يضع الأسر متوسطة ومحدودة الدخل أمام معادلة صعبة: إما تلبية المتطلبات المدرسية على حساب الاستقرار المالي، أو القبول بعجز أبنائهم عن مجاراة أقرانهم.
الأسر التي لديها أكثر من طفل في مراحل دراسية مختلفة تعيش ضغوطًا مضاعفة، إذ غالبًا ما لا يكفي دخل الأسرة لتغطية كل هذه النفقات، فيلجأ البعض إلى الاقتراض من العمل أو الانضمام إلى جمعيات مالية لسد العجز.
من دعم رمزي إلى استغلال فج
ولفت جريش أنه كانت المستلزمات المدرسية فيما مضى معقولة، تُفرض بشكل رمزي لدعم المدرسة، لكن في السنوات الأخيرة تحولت إلى قائمة طويلة وباهظة الثمن، تُفرض فرضًا على أولياء الأمور.
بل إن بعض المدارس تشترط شراء منتجات "براندات" غالية بحجة توحيد المستوى الطبقي بين التلاميذ، الأمر الذي يثير غضب الأسر ويدفعهم للتساؤل: لماذا تُحصّل المدارس مصاريف دراسية مرتفعة بينما يتحمل الطالب نفقات أدوات النظافة والأنشطة على نفقته الخاصة؟
مسؤولية الحكومة الغائبة
وقال الأب رفيق إن الأزمة تطرح أسئلة جوهرية عن دور وزارة التربية والتعليم في مواجهة هذا الاستغلال.
هل تغفل الوزارة عما يحدث، أم أنها عاجزة عن ضبط المدارس الخاصة التي تحوّل التعليم إلى مشروع ربحي؟
كما يثار تساؤل آخر عن دور وزارة التموين والتجارة الداخلية في مراقبة أسعار الأدوات المدرسية، إذ يترك الغياب الرقابي الميدان مفتوحًا أمام جشع بعض التجار والمغالاة في الأسعار.
مقترحات لتخفيف الأعباء
ودعا الأب إلى حلول عملية لتخفيف العبء عن الأسر، أبرزها:
- إطلاق معارض موسمية للسبلايز بأسعار مخفضة بالتعاون مع المصانع المحلية.
- توسيع مبادرات "المدرسة صديقة الفقير" لتوفير أدوات مدرسية مجانية أو مدعمة للفئات الأكثر احتياجًا.
- تشجيع إعادة التدوير واستخدام الكتب والكشاكيل المستعملة بشكل منظم داخل المدارس.
- إصدار قوائم موحدة ومختصرة للمستلزمات تركز فقط على الضروري، بما يمنع المبالغة ويحقق المساواة بين الطلاب.
هذه الإجراءات، إن طُبقت بجدية، ستعيد للتعليم طابعه العادل والشامل، وتمنع تحويله إلى عبء لا يطيقه الكثيرون.
البعد الاجتماعي والأخلاقي
الأب رفيق جريش يؤكد أن الحل لا يقتصر على السياسات الحكومية، بل يحتاج أيضًا إلى تضامن مجتمعي.
على الأسر أن تتعاون وتتعاضد بدلًا من المنافسة أو الاستعراض الطبقي، وعلى المدارس أن تدرك أن رسالتها الأولى هي "التربية" قبل التعليم.
فالمطلوب هو العمل من أجل الخير العام لا الخاص، خاصة في الأوقات الصعبة التي تتطلب من الجميع أن يحملوا ويحتملوا بعضهم البعض.
وفي النهاية فإن عودة المدارس تحولت من مناسبة للفرح إلى مصدر قلق وضغط للأسر المصرية. وبين مصاريف باهظة وطلبات متزايدة، يجد أولياء الأمور أنفسهم عالقين في أزمة لا ذنب لهم فيها.
وإذا لم تتحرك الدولة عبر وزاراتها المعنية، ولم تتبنى سياسات جادة لضبط الأسعار ومراقبة المدارس، فإن التعليم سيتحول تدريجيًا إلى رفاهية لا ينالها إلا المقتدرون، وهو ما يتناقض مع أبسط مبادئ العدالة الاجتماعية وحق كل طفل في التعلم.