في خطوة وُصفت بالمفصلية والتاريخية، أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الأحد اعترافها الرسمي بـ “دولة فلسطين”، لتنضم إلى قائمة الدول الكبرى التي بدأت تعيد صياغة مقاربتها تجاه القضية الفلسطينية. يأتي ذلك في ظل تصاعد الحرب والدمار في غزة، وتنامي الضغوط الدولية المطالبة بوقف العدوان وفتح أفق سياسي جديد.
رمزية القرار التاريخية
الإعلامي والخبير في الشأن البريطاني عدنان حميدان أكد أن الاعتراف يحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد إعلان سياسي. وأوضح أن بريطانيا، التي أسهمت قبل أكثر من قرن في مأساة الفلسطينيين عبر وعد بلفور، تجد نفسها اليوم مضطرة للاعتراف بأن فلسطين تستحق أن تكون دولة.
و”وعد بلفور” هو بيان بريطاني رسمي صدر في 2 نوفمبر 1917 عن وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر جيمس بلفور، تعهدت فيه بريطانيا بتأييد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. هذا الوعد، الذي وُجِّه إلى اللورد روتشيلد، كان خطوة أساسية مهّدت الطريق لإقامة دولة إسرائيلية على أراضي الشعب الفلسطيني في عام 1948، مما أدى إلى تهجير الفلسطينيين وتشريدهم.
وأشار حميدان إلى أن “الخطوة لا تمثل تعويضًا عن جريمة زرع الاحتلال في الأرض الفلسطينية، لكنها تعكس تحوّلًا في الخطاب السياسي البريطاني يمكن البناء عليه”. وأضاف: “بالنسبة للفلسطينيين في غزة، الاعتراف رسالة إلى العالم بأن روايتهم لم تمت، وأن حقهم في الأرض والحرية والكرامة لا يمكن طمسه مهما طال الزمن"، وفقًا لـ"قدس برس"
بين الرمزية والسياسة العملية
وحول الجدوى العملية، أوضح حميدان أن القرار “لا يغير موازين القوى على الأرض”، لكنه شدد على أن “المواقف الرمزية حين تصدر عن دول كبرى تتحول إلى أدوات سياسية يمكن استثمارها فلسطينيًا، سواء في المحافل الدولية أو في مواجهة إسرائيل دبلوماسيًا”.
وأضاف أن انزعاج الاحتلال من القرار يعكس إرباكًا دبلوماسيًا يمنح الفلسطينيين نافذة للتحرك السياسي والقانوني. واعتبر أن المطلوب هو تحويل الاعتراف إلى ضغط عملي عبر خطوات مثل وقف تصدير السلاح لإسرائيل ودعم التحقيقات الدولية في جرائم الحرب.
وأكد حميدان أن قرار بريطانيا لا يمكن فصله عن البيئة الأوروبية والدولية، لافتًا إلى أنه يوجه رسالة قوية بأن الصمت لم يعد خيارًا. وأشار إلى أن القرار قد يشكل ضغطًا على حكومات أخرى للاعتراف بفلسطين، مما يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية في العلاقات الدولية، مع أثر متوقع في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية.
خطوة رمزية لكن مؤثرة
من جهته، اعتبر رئيس “منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني” زاهر بيراوي أن الاعتراف البريطاني خطوة رمزية، لكنه شدد على أن “الرمزية في السياسة ليست تفصيلًا، بل تترك أثرًا تراكميًا في الموقف الدولي”.
وأوضح بيراوي أن بريطانيا اعتادت ربط الاعتراف بمفاوضات الحل النهائي، لكن اعتراف اليوم يعكس ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة من الشارع البريطاني ونواب في الحزب الحاكم. وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي وصف القرار بأنه “سقوط أخلاقي وتشجيع على الإرهاب”، ما يكشف حجم الانزعاج الإسرائيلي وتأثير الخطوة على محاولاته لإجهاض فكرة الدولة الفلسطينية.
ضغط داخلي واعتبارات دولية
بيراوي أشار إلى أن القرار ما كان ليتحقق لولا ضغط الرأي العام والفعاليات الشعبية والطلابية والنقابية المناهضة للحرب على غزة. كما لفت إلى أن الاعتراف ترافق مع خطوات مماثلة من كندا وأستراليا، ما يمنحه بعدًا دوليًا أكبر ويعكس تحولًا تدريجيًا في الموقف الغربي.
وفي الوقت نفسه، أقر بوجود تحفظات مثل الحديث عن “دولة منزوعة السلاح”، لكنه شدد على أن هذه التحفظات لا تقلل من أهمية القرار، مؤكدًا أن “السياسات الغربية ليست جامدة ويمكن التأثير فيها”.
تحديات أمام المستقبل
وحذر بيراوي من أن الاعتراف وحده لن يغيّر سلوك الاحتلال، بل قد يقابله بتصعيد إضافي. لكنه رأى أن الأثر التراكمي لمثل هذه القرارات قد يجبر إسرائيل في النهاية على العودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة إذا تحولت الضغوط الأوروبية إلى إجراءات عملية.
وأوضح أن “المصلحة الدولية باتت تقتضي حلًا سياسيًا يضمن للفلسطينيين حقوقًا حقيقية، لأن استمرار الاحتلال يزيد الأزمات الإقليمية والدولية ويستنزف الغرب سياسيًا واقتصاديًا”.
وكانت كل من أستراليا وكندا وبريطانيا قد أعلنت اليوم الأحد اعترافها رسميًا بدولة فلسطين، عشية انعقاد المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية بقيادة السعودية وفرنسا. وتتجه الأنظار إلى 10 دول أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، ما سيرفع العدد الإجمالي إلى 159 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة.